لن تكون بطولة كأس العالم ال17 لكرة القدم للشباب التى تحتضنها أرض الكنانة مجرد مباريات للعبة الجميلة بعد أن بلغ تأثير «الساحرة المستديرة»، فى الحياة اليومية مبلغاً دفع مجمع اللغة العربية فى القاهرة الشهير ب«مجمع الخالدين»، لبحث العلاقة بين اللغة وكرة القدم.. ولعل هذه البطولة تكون حلقة جديدة فى العلاقة المثيرة بين اللغة الجميلة واللعبة الجميلة التى «لبى الخالدون نداءها ونزلوا المستطيل الأخضر». وواقع الحال أن الظاهرة عالمية، وفى الغرب يتصدر العديد من الكتب التى تتناول علاقة اللغة بكرة القدم، فيما تتردد أسماء مشاهير فى هذا النوع من الدراسات مثل الكاتب هيرفى فرومر الذى يتوجه بكتاباته لرجل الشارع لشرح ما قد يستعصى على الذهن من مصطلحات رياضية. فيما يرى البعض مثل الكاتب جاك بيل فى صحيفة «نيويورك تايمز» أن «لغة كرة القدم هى لغة عالمية تتعدى الحواجز والتقسيمات بين ستة مليارات نسمة هم سكان هذا العالم» غير أن المشكلة فى هذا السياق أن المقصود ب«اللغة العالمية»، عند جاك بيل وأقرانه لغات الغرب وعالم الشمال وفى المقام الأول اللغة الإنجليزية، الأمر الذى ينطوى على تحديات للهوية فى عالم الجنوب، وباعتبار أن اللغة وثيقة الصلة بالهوية إن لم تكن أحد أهم مكوناتها. وكان من الدال والطريف أن يبدأ جوزيف بلاتر، رئيس الاتحاد الدولى لكرة القدم، كلمته فى افتتاح البطولة السابعة عشرة لكأس العالم للشباب باستاد مبارك فى برج العرب بكلمة عربية هى «شكراً»، التى وجهها للجماهير المصرية الوفية فيما اختتم كلامه بتحية «السلام عليكم» ليعبر بذلك عن أحد الجوانب الإيجابية والسوية للعلاقة بين اللغة والكرة والهوية. وبنزعة عملية واضحة، كان مكتب اللجنة الأوروبية فى لندن قد شارك مؤخراً مع نادى الأرسنال فى مبادرة أطلق عليها اسم «النادى المزدوج» وتستهدف دعم القدرات اللغوية للتلاميذ الإنجليز فى بعض المدارس الابتدائية جنباً إلى جنب مع تحفيز مهاراتهم الكروية على المستطيل الأخضر. غير أن المجمع اللغوى فى القاهرة يشهد جهوداً مقدرة وجديرة بالإعجاب فى اتجاه تأصيل العلاقة بين اللغة العربية وكرة القدم بقدر ما يضرب «الخالدون»، مثلاً رفيعاً وأسوة حسنة فى الجمع بين الأصالة والمعاصرة دون إفراط أو تفريط. وقد وصف الإذاعى القدير فاروق شوشة، الذى يشغل منصب الأمين العام لمجمع اللغة العربية، دراسة أعدها الدكتور محمد داوود، الأستاذ الجامعى، الخبير بالمجمع، عن اللغة وكرة القدم بأنها «دراسة ممتعة ورائدة وغير مسبوقة»، منوهاً بأنها «تضع أساساً لعلم اللغة الرياضى من خلال رصد حركة اللغة فى واحد من أوسع مجالات حياتنا الاجتماعية وأكثرها تأثيراً أى مجال لغة كرة القدم التى تتسم بالتشويق والإثارة والمتعة». فاللغة.. أى لغة تتطور وتنمو وتعرف المزيد من الكلمات التى يضيفها التعامل اليومى والتقارب مع العالم، فضلاً عن الكلمات الجديدة التى يضيفها الشباب من خلال العصر الذى يعيشونه، فيما رأى فاروق شوشة أن هذه الدراسة عن اللغة وكرة القدم جاءت لتشهد على «عظمة اللغة العربية فى مرونتها وعصريتها واستيعابها كل جديد فى مجالات الحياة المختلفة وقدرتها على التطور وفاء باحتياجات العصر، وعلى أهمية اللغة فى الارتقاء بفن التعليق الرياضى لخطورة لغة المعلق وآثارها إيجاباً أو سلباً فى حياتنا اللغوية». ومضى شوشة - الذى يعد من أقطاب المجمع اللغوى كما عرف ببرامجه الإذاعية المعنية بجمال اللغة العربية - ليقول: إن الدكتور محمد داوود يقدم فى كتابه معجمين لألفاظ وتعبيرات فى كرة القدم أحدهما باللغة العربية والآخر باللغتين الإنجليزية والفرنسية، مشيراً إلى ما أنجزه الاتحاد العربى لكرة القدم فى جدة وهو معجم للغة الرياضة يقع فى ثلاثة أجزاء أٌعِدّ إعداداً علمياً بإشراف أساتذة متخصصين وتم فيه تعريب جميع الألفاظ الخاصة بالرياضة عامة وكرة القدم بصورة خاصة. وفى مجال لعبة كرة القدم - يورد المؤلف مئات المفردات والتعابير الشائعة على ألسنة المعلقين من بينها ارتداد.. مراوغ.. زحلقة.. تسديدة.. صد.. صاروخ.. تصويبة.. قذيفة.. تمرير.. تمويه.. جملة تكتيكية.. جون.. الاستحواذ على الكرة.. استلم برشاقة الغزال.. صاروخ أرض جو.. غمز الكرة.. فتح البرجل.. كتم الكرة.. كرة بينية.. كرة مختومة بالشمع الأحمر.. كرة لا تُصد ولا تُرد.. كرة عابرة للقارات.. كرة بمقياس 6 ريختر.. لمسة سحرية. تمريرة ساحرة.. فتح اللعب.. تمريرة قاتلة.. سيمفونية كروية.. كرة من الزمن الجميل. كما توقف الدكتور محمد داوود، أستاذ الدراسات اللغوية، ليتأمل ملياً من منظور لغوى بعض الأوصاف والنعوت التى تطلق على لاعبى كرة القدم من بينها (البلدوزر).. الثعلب.. الحريف.. المدفعجى.. الساحر.. المعلم.. الفنان.. المايسترو.. القناص.. اللعيب.. المجرى.. النحلة.. النفاثة.. المهندس.. مثلث الرعب. ويعتبر المعلق إبراهيم الجوينى نفسه أحد أضلاع المربع الذهبى للمعلقين الكرويين الذى يضم إلى جانبه الراحل محمد لطيف والراحل حسين مدكور، فضلاً عن على زيوار، فيما يبدى شعوراً بالأسف للجوء بعض المعلقين الرياضيين الآن لاستخدام كلمات أجنبية فى تعليقاتهم محذراً من خطورة هذه الظاهرة على سمعة وصورة التعليق الرياضى المصرى. ويؤكد الجوينى أهمية تدريب معلقى كرة القدم - الواسعى الأهمية والتأثير - على الأداء اللغوى السليم الملتزم باللغة العربية الصحيحة متفقاً فى الرأى مع الإذاعى فاروق شوشة حول أهمية نشر مادة حية صحيحة على أسماع الملايين الشغوفة بالساحرة المستديرة وعالم المستطيل الأخضر، والتعريف بمصطلحات الرياضة بلغة صحيحة خالية من العجمة والرطانة والسوقية.