أحياناً يفقدنا العناد الشخصى الحكم الجيد على الأمور ويحرمنا من اتخاذ القرار الصائب، هذا تشخيص ماحدث بالضبط فى قضية مصادرة مسرحية الحسين، وقد حكى لى الطبيب الأديب د.أحمد عبدالرحمن الشرقاوى كواليس ما حدث بين والده وبين شيخ الأزهر السابق د.عبدالحليم محمود رحمة الله عليه والذى أدى فى النهاية إلى مصادرة المسرحية ومنع تمثيلها على خشبة مسارح القطاع العام والخاص أيضاً. بدأت القصة بماكتبه الشيخ عبدالحليم محمود عن ثراء وغنى العشرة المبشرين بالجنة وأن هؤلاء المبشرين ليس بينهم فقير، وبالطبع كان توقيت نشر هذا الكلام يتفق مع الاتجاه الرأسمالى وسياسة الانفتاح التى سادت فى عصر الرئيس السادات والتى كانت تلاقى وقتها انتقاداً شديداً من تيار اليسار المصرى، وللأسف استغلت وقتها الشعارات الدينية فى ترويج هذه المفاهيم الانفتاحية التى أطلق عليها الراحل أحمد بهاء الدين سياسة السداح مداح!، مثلما استغل تيار الجماعات الإسلامية فى الجامعة بمساعدة محافظ أسيوط حينذاك لضرب اليساريين والناصريين، ومثلما استغل الحديث عن أبى ذر الغفارى والناس شركاء فى ثلاثة الماء والكلأ والنار أيام المد الاشتراكى الناصرى لترويج الفكر اليسارى من أرضية إسلامية، استغل بعدها الحديث عن ثراء عثمان بن عفان وعن أن الله خلقنا طبقات لترويج الفكر الرأسمالى من أرضية إسلامية أيضاً. استفز كلام الشيخ عبدالحليم محمود الأستاذ الشرقاوى خاصة أنه ظهر فى هذا المناخ الملبد بغيوم الانفتاح الاستهلاكى، فكتب الشرقاوى مقالة يهاجم فيها هذا الاتجاه من شيخ الأزهر قائلاً «لا يا صاحب الفضيلة»، وكانت وقتها مسرحية الحسين معروضة على الأزهر للبت فى أمر عرضها، وبالطبع غضب شيخ الأزهر وأمر بمنعها نكاية فى الشرقاوى الذى تجرأ وانتقده. كان فيلم الرسالة ضحية أخرى طالها غبار هذه المعركة المحمودية الشرقاوية، فقد كان الشرقاوى كاتب الفيلم الرئيسى برغم أن اسم توفيق الحكيم كان يسبقه على تيترات الفيلم، وتم عرض الفيلم فى معظم البلاد الإسلامية وحرمت منه مصر فى زمن عبدالحليم محمود بسبب هذا الخلاف الذى ارتدى ثياباً تبريرية أخرى منها ظهور سيدنا حمزة، وقرر عبدالرحمن الشرقاوى أن يخوض معركة أخرى بتأليف مسرحية عمر بن عبدالعزيز ولكن الأصدقاء نصحوه بعدم خوض التجربة لأنها ستلقى مصير مسرحية الحسين، وبالفعل كتبها الشرقاوى كصورة قلمية. هذه هى الكواليس الحقيقية لمصادرة مسرحية الحسين، كان لابد من سردها حتى يكتمل أمام القراء ملف مصادرة مسرحية من أهم مسرحيات المسرح المصرى والتى راحت ضحية لخلاف شخصى وعناد لا مبرر له وجو سياسى كان يخلع عباءة الحماية من على جسد اليسار ليلف بها تياراً دينياً كان يظنه النظام قطاً أليفاً فإذا به نمر مفترس، التهم أول ما التهم رأس النظام نفسه فى يوم عرسه!.