تراجع أسعار الذهب بعد محادثات ترامب وزيلينسكي    وزير الزراعة: أسعار البيض تراجعت بشكل كبير.. ولدينا اكتفاء ذاتي من الدواجن    استنفار أمني على الحدود اللبنانية السورية... وتصعيد سياسي من «حزب الله»    سر غياب مصطفى فتحي عن مباراة بيراميدز والمصري    خالد ديوان: ناشئو اليد كسروا "عقدة اللحظات الأخيرة".. ونعمل وفق سيستم ثابت    بيكهام يقيم وضعه مع الأهلي حتى يناير القادم    فليك يضغط على إدارة برشلونة لتسجيل جيرارد مارتن    دينيس زكريا يرفض عرضين من أهلي جدة    الأرصاد الجوية: عودة الارتفاع في درجات الحرارة.. والرطوبة تواصل تأثيرها    محامي أسرة سفاح التجمع: نطالب بتعويض مادي في حالة تشابه الفيلم بالقصة الحقيقية    ضياء رشوان: 768 صحفيا أجنبيا زاروا رفح والعريش منذ أكتوبر 2023 لتغطية الأحداث    كلمة طفلة فلسطينية بمستشفى العريش تثير إعجاب وزير الخارجية ورئيس الوزراء الفلسطيني    ما علاج الفتور في العبادة؟.. أمين الفتوى يجيب    سقوط سائق "توك توك" خالف المرور وسار عكس الاتجاه في الإسكندرية    وكيل تعليم الفيوم يناقش آليات لجنة الندب والنقل مع إدارة التنسيق العام والفني بالمديرية    "تموين الإسكندرية" تضبط أسمدة زراعية مدعمة قبل تهريبها للسوق السوداء    قبول طلاب المرحلة الثانية بالثانوي العام في سوهاج بحد أدنى 233 درجة    مصر تتصدر نمو السياحة الإقليمية في الربع الأول من 2025    «درويش» يشعل شباك التذاكر.. 12.5 مليون جنيه في 5 أيام    «بحر الهوى مشواره طويل» فرقة الطور تتألق على مسرح الشيخ زايد على أنغام السمسمية    نيشان مع شام الذهبي بكواليس حفل أصالة في بيروت    بينهم نتنياهو.. تفاصيل استدعاء مراقب إسرائيل العام مسئولين لبحث إخفاقات 7 أكتوبر    هل يجوز قضاء الصيام عن الميت؟.. أمين الفتوى يجيب    أمين الفتوى: تركة المتوفاة تُوزع شرعًا حتى لو رفضت ذلك في حياتها    «الرقابة الصحية»: الإسكندرية مؤهلة لتكون نموذجًا رائدًا في تطبيق التأمين الصحي الشامل    نقل مباراة الأهلي وبيراميدز إلى السلام بعد غلق استاد القاهرة الدولي    قبل لقاء زيلينسكي وقادة أوروبيين.. ترامب: حرب روسيا وأوكرانيا هي حرب بايدن «النعسان»    محافظ الوادي الجديد يتفقد تقدم أعمال إنشاء مدرسة المتفوقين STEM    المسلماني ونجل أحمد زويل يزيحان الستار عن استديو زويل بماسبيرو    الخارجية الفلسطينية تدين قرار الاحتلال الإسرائيلي التعسفي بحق الدبلوماسيين الأستراليين    سعر الفضة اليوم الإثنين 18 أغسطس 2025.. بكم الإيطالي الآن؟    جنايات الفيوم تبرء عامل من تهمة حيازة مخدرات وسلاح أبيض    الأعلى للإعلام: انطلاق الدورة التدريبية رقم 61 للصحفيين الأفارقة من 18 دولة    جوارديولا يثير الشكوك حول مستقبل نجم مانشستر سيتي    وسيلة رقمية لمواجهة الجريمة ب«عقول اصطناعية».. ما هو مركز العمليات الأمنية الجديد؟ (فيديو)    تمكين الشباب.. رئيس جامعة بنها يشهد فعاليات المبادرة الرئاسية «كن مستعدا»    هل المولد النبوي الشريف عطلة رسمية في السعودية؟    البحوث الفلكية : غرة شهر ربيع الأول 1447ه فلكياً الأحد 24 أغسطس    موعد إعلان نتيجة تقليل الاغتراب 2025 لطلاب المرحلتين الأولى والثانية    هل يتم تعديل مواعيد العمل الرسمية من 5 فجرًا إلى 12 ظهرًا ؟.. اقتراح جديد في البرلمان    نسف للمنازل وقصف إسرائيلي لا يتوقف لليوم الثامن على حي الزيتون    حبس المتهمين بالتخلص من جثة صديقهم أثناء التنقيب عن الآثار في الشرقية    إزالة 53 حالة تعد على الأراضى الزراعية وأملاك الدولة بالبحيرة    اختبارات للمرشحين للعمل بالأردن في مجالات الزراعة.. صور    إجراء فحص طبى ل907 مواطنين خلال قافلة طبية مجانية بقرية الحنفى فى بلطيم    الداخلية تكشف ملابسات مشاجرة بعصى خشبية أمام محل تجاري في الإسكندرية    رئيس "الوطنية للانتخابات" يزور النيابة الإدارية: خط الدفاع الأول ضد الفساد المالي والإداري    يعالج الكبد الدهني في هذه الحالة فقط- "FDA" توافق على دواء جديد    القوات الإسرائيلية تعتقل 33 عاملاً فلسطينيا جنوب القدس    وزير الأوقاف ينعى صابر عبدالدايم العميد الأسبق لكلية اللغة العربية    الأحد.. إعلان تفاصيل الدورة 32 من مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي    الديهي يكشف تفاصيل اختراقه ل"جروب الإخوان السري" فيديو    أسعار البيض اليوم الإثنين 18 أغسطس في عدد من المزارع المحلية    «متحدث الصحة» ينفي سرقة الأعضاء: «مجرد أساطير بلا أساس علمي»    مدرب نانت: مصطفى محمد يستحق اللعب بجدارة    انطلاق امتحانات الدور الثاني للشهادة الثانوية الأزهرية بشمال سيناء (صور)    انطلاق امتحانات الدور الثاني للشهادة الثانوية الأزهرية بشمال سيناء    نشرة أخبار ال«توك شو» من «المصري اليوم».. متحدث الصحة يفجر مفاجأة بشأن سرقة الأعضاء البشرية.. أحمد موسى يكشف سبب إدراج القرضاوي بقوائم الإرهاب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



معارك فكرية .. هويتنا
نشر في المصري اليوم يوم 18 - 09 - 2009

يمكن وصف معارك الهوية بمعارك الأمد الطويل فقد استمرت لسنوات، وجاءت فى شكل جولات منفصلة أو متصلة، وأثيرت على غير وجه، فتارة تعلقت بالهوية الوطنية وأخرى بهوية الثقافة والمعرفة، وتارة ثالثة امتدت إلى اللغة، ورابعة إلى الشكل حيث الملبس، فلم تذر وجهاً من وجوهها إلا واحتدمت حوله وعلى هذا فقد كثرت الجولات وكثر الأطراف،
وكانت إحدى هذه الجولات حول العروبية والمصرية، وكان أبرز قطبين فيها هما ساطع الحصرى وطه حسين، فقد عاد طه حسين عام 1938 مرة أخرى إلى معارضة القومية العربية إلى حد السخرية منها ومن فكرة الوحدة العربية،
عندما أدلى بتصريحات إلى مجلة «المكشوف» اللبنانية فى حديث صحفى، وعلى حد الرصد الدقيق والبحث المدقق لأنور الجندى فى كتابه «المعارك الأدبية والفكرية» فقد ذكر طه حسين فى هذا الحديث نقاطاً رآها محورية وأساسية،
فقد قال إن الفرعونية متأصلة فى نفوس المصريين وستظل كذلك بل ستقوى، وأن الأكثرية الساحقة من المصريين لا يمتون بصلة إلى الدم العربى بل يتصلون مباشرة بالمصريين القدماء،
وقال إن تاريخ مصر مستقل عن تاريخ أى بلد آخر، وأنه لو كان للغة وزن فى تقرير مصير الأمم لما كانت بلجيكا وسويسرا والبرازيل والبرتغال، ورد عليه ساطع الحصرى فى «الرسالة» فى 18 ديسمبر عام 1938م رداً علمياً مقنعاً لم يرد عليه طه حسين وخصص فصلاً كاملاً من كتابه «مستقبل الثقافة» وكلما أثار طه حسين هذه القضية كل مرة من زاوية مختلفة وجد من يرد عليه.
غير أن طه حسين بعد تصريحه ذلك للمجلة اللبنانية رد عليه ساطع الحصرى مفنداً.. فقام طه حسين بالرد عليه مجدداً فى مجلة «الرسالة» فى 26 ديسمبر 1938م، وننشر هنا رأى ساطع الحصرى على ما أدلى به طه حسين فى حواره الصحفى ورد طه حسين على ساطع الحصرى.
ساطع الحصرى: عربية
أيها الأستاذ: نشرت مجلة «المكشوف» البيروتية حديثاً جرى بينكم وبين جماعة من شباب العرب على ظهر باخرة تمخر عباب البحر الأبيض المتوسط، قلتم فى خلال هذا الحديث إنكم تنادون بتوحيد برامج التعليم فى جميع الأقطار العربية وتسهيل التبادل الثقافى بينها وترون (من المفيد أن يكون تعاوناً اقتصادياً وحتى تحالفاً عسكرياً) بين تلك الأقطار.
غير أنكم لا ترضون وحدة سياسية، سواء أكانت (بشكل إمبراطورية جامعة) أم على طراز (اتحاد مشابه للاتحاد الأمريكى أو السويسرى) وعللتم آراءكم هذه بقولكم (إن الفرعونية متأصلة فى نفوس المصريين وأنها ستبقى كذلك بل يجب أن تبقى وتقوى).
قرأت هذه الآراء بدهشة غريبة لأننى استبعدت صدورها منكم كل الاستبعاد، وقلت فى نفسى: «لعل الكاتب نقلها على غير حقيقتها».. أو لعل الدكتور أراد أن يمتحن هؤلاء الشبان، ويتأكد من مبلغ إيمانهم بالقضية، فالآراء التى أدلى بها ربما كانت من نوع الآراء الجدلية التى ترمى إلى حمل المخاطب على التعمق فى التفكير،
فوجدت نفسى تجاه هذه الملاحظات بين عاملين مختلفين: عامل يدفعنى إلى الإسراع فى مناقشة هذه الآراء لكى لا أترك مجالاً لزعزعة إيمان بعض الشبان، وعامل يدفعنى إلى التريث فى الأمر لكى أتأكد من صحة الحديث المعزو إليكم.
قلتم: إن المصرى مصرى قبل كل شىء فهو لن يتنازل عن مصريته مهما تقلبت الظروف فاسمحوا لى أن أسألكم: هل الوحدة العربية تتطلب من المصريين التنازل عن المصرية؟
أنا لا أتردد فى الإجابة عن هذا السؤال بالنفى، لأنى أعتقد أن دعوة المصريين إلى الاتحاد مع سائر الأقطار العربية لا تتضمن بوجه من الوجوه حثهم على التنازل عن المصرية. إن دعاة الوحدة العربية لم يطلبوا ولن يطلبوا من المصريين لا ضمناً ولا صراحة أن يتنازلوا عن مصريتهم، بل إنهم يطلبون إليهم أن يضيفوا إلى شعورهم المصرى الخاص شعوراً عربياً عاماً، وأن يعملوا للعروبة بجانب ما يعملونه للمصرية.
قلتم: ولا تصدق ما يقوله بعض المصريين من أنهم يعملون للعروبة، فالفرعونية متأصلة فى نفوسهم، ثم أضفتم إلى ذلك حكماً قاطعاً فقلتم: «وستبقى كذلك».
فهل تسمحون لى أن أستوضحكم ما تقصدونه من كلمة (الفرعونية) هل تقصدون منها الأخذ بحضارة الفراعنة أم الاعتزاز بثقافة الفراعنة، أم تقصدون بث اللغة الفرعونية أو الآداب الفرعونية أو الديانة الفرعونية أو السياسة الفرعونية؟
أنا لا أستطيع أن أشك فى أنكم لم تقصدوا منها الحضارة أبداً: لأنكم لستم دون ريب ممن يقبلون لمصر ولغير مصر حضارة فى هذا العصر غير الحضارة العلمية الحالية، كما لا أستطيع أن أشك فى أنكم لم تقصدوا من هذه الكلمة «الديانة الفرعونية».
يظهر من هذه التأويلات أنكم تودون أن تخلقوا للفكرة العربية خصوماً من الآثار القديمة، وأن تضعوا فى سبيل تيار هذه الفكرة سدوداً من الرموس والأطلال.
إن مصر قد تباعدت عن ديانة الفراعنة دون أن تهدم أبا الهول، وتخلت عن لغتها القديمة دون أن تقوض الأهرام وجميع آثار الفراعنة التى زينت بها متاحف مصر ومتاحف العالم لم تولد نزوعاً للعودة إلى الديانة التى أوجدت تلك المآثر الخالدة، ولا حركة ترمى إلى بعث اللغة التى رافقتها خلال قرون طويلة فهل من موجب لطلب هدم الأهرام وتناسى الآثار لأجل الوحدة العربية.
إن الأهرام مع جميع الآثار الفرعونية لم تمنع مصر من الاتحاد مع سائر الأقطار العربية اتحاداً تاماً فى ميدان اللغة فهل يمكن أن تحول دون اتحادها مع تلك الأقطار فى ميدان السياسة أيضاً؟
كلا أيها الأستاذ: إن التيارات القوية العميقة التى جرفت حياة مصر إلى اتجاهات جديدة منذ عشرات القرون. والتى أخرجتها من ديانتها القديمة وأنستها لغتها الأصلية بالرغم من وجود الأهرام وقيام أبى الهول سوف لا تحتاج إلى هدم شىء من آثارها القديمة، لتجرفها نحو السياسة التى يؤمن بها دعاة الوحدة العربية، لاسيما أن هذه السياسة ليست إلا نتيجة طبيعية للغة مصر الحالية ووضعها العام.
ثم وقفتم أمام مسألة التاريخ وادعيتم أن «تاريخ مصر مستقل تمام الاستقلال عن تاريخ أى بلد آخر» فاسمحوا لى أن أقول إن هذا الادعاء افتئات صارخ على الحقائق الواقعة، فإن تاريخ مصر اختلط اختلاطاً عميقاً بتاريخ سائر البلاد العربية فكيف يحق لكم أن تحذفوا هذه الورقة من تاريخ مصر؟
طه حسين: مصرية
طه حسين
لست أفهم كيف يختصم الناس فى هذه المسألة أو كيف يجعلونها موضوعاً للحوار، فهى فى نفسى أوضح وأجلى:
«الأمم والشعوب التى تتكلم هذه اللغة مضطرة سواء أرادت أم لم ترد وحدة الثقافة، ومعنى وحدة الثقافة وحدة العقل فيما أظن، فإذا أضفت إلى ذلك أن هذه الشعوب لا تشترك فى اللغة وحدها وإنما تشترك معها فى الدين أيضاً، فكثرتها مسلمة وقلتها مؤمنة بالديانتين السماويتين الأخريين، كان ذلك داعياً إلى اشتداد ما يجب أن يكون بينها من التقارب.
إذن ففيم يمكن أن يكون الخلاف، وفيم يمكن أن يكون الجدل؟ فى أمر واحد أراه بدهياً بالقياس إلى المصريين وما أعرف أن مصرياً واحداً يستطيع أن يخالفنى فيه مهما تكن ميوله ومذاهبه وهو أمر «الوحدة السياسية».
فالمصريون لا يتصورون اشتراكهم فى إمبراطورية عربية مهما يكن مستقرها ومهما يكن شكلها ومهما تكن نظم الحكم فيها، لا يتصورون إلا أن يكونوا دولة مستقلة معاونة لغيرها من دول الشرق العربى بأسباب المعاونة السياسية المعقولة التى تلائم المنفعة والحق والعدل،
وما أرى أن عليهم فى ذلك بأساً، وما أرى أن أحداً يستطيع أن يطالبهم بأكثر من ذلك، وما أرى أن مطالبتهم بأكثر من ذلك نفعاً لأحد وإنما الكلام فى ذلك لغو وإطالة لا غناء فيهما.
ومن الناس من ينكر على مصر حرصها على تراثها الفرعونى القديم، ويشوهون هذا الحرص ألواناً من التشويه، فليكن رأيى فى ذلك واضحاً جلياً وهو فيما أعتقد رأى المصريين جميعاً لا يختلفون فيه،
فمصر حريصة على تاريخها كله لا تنزل عنه عن قليل أو كثير وهى إذا حرصت على تاريخها الفرعونى لاتريد أن تعود إلى دين الفراعنة، فهذا سخف، ولا تريد أن تتكلم اللغة المصرية القديمة مكان اللغة العربية، فهذا سخف أيضاً، ولا تريد أن تصطنع نظم الحكم الفرعونى مكان نظمها الديمقراطية الحديثة.
وإنما تريد أن تنظر إلى هذا التاريخ، بما كان فيه من خير وشر، على أنه جزء من حياتها ومقوم لوحدتها ومكون لوطنيتها، تفخر بما يدعو منه إلى الفخر، وتألم بما يدعو منه إلى الألم، وتعتبر بما يثير منه العبرة، وتنتفع بما يمكن أن يكون مصدراً للنفع،
وكل مصرى يزعم غير هذا فهو إما خادعاً أو مخدوعاً أو ضعيف الوطنية، وما أعرف أن من المصريين من تضعف وطنيته فيفرط فى تاريخه، أو تضعف أخلاقه فيؤثر الخداع، أو تضعف شخصيته فينخدع بتمويه المموهين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.