فى قلب العاصمة الأرمينية «يريفان» تجد هذا الصرح الإسلامى الضخم.. إنه «المسجد الأزرق» أو «الجامع الأزرق» الشاهق الذى يشع بنور الإسلام فى سماء أرمينيا تلك الدولة الأولى التى اعترفت بالمسيحية كدين رسمى لها منذ بداية القرن الرابع الميلادى. كنائس عديدة منتشرة فى يريفان و«المسجد الأزرق» وحده يتلألأ بلونه الأزرق المتدرج كلون السماء والذى يكسو مدخله ومعظم جدرانه وقبته ومئذنته الشاهقة التى تصل إلى 24 متراً وهى الوحيدة فى سماء العاصمة الأرمينية.. مسجد يعد بمثابة المنارة التى تشع بنور الإسلام وحضارته فى هذه الدولة المسيحية التى لا يقطنها سوى مسلمين قلائل ينتمون إلى الأقليات غير الأرثوذكسية والأجانب المقيمين بها والبعثات الدبلوماسية العربية والإسلامية والذين لم يتجاوز عددهم 3٪ من إجمالى عدد السكان بأرمينيا، تلك الدولة الشيوعية السابقة. المسجد الأزرق – الذى مولت إيران مشروع ترميمه بين عامى 1996 و2000 أى بعد حصول دولة أرمينيا على استقلالها فور تفكك الاتحاد السوفيتى السابق، بعدما تحول إلى ركام فى عهد حكم الاتحاد السوفيتى السابق وذلك بتكلفة قدرها مليون دولار – يشكل اليوم مركزا ثقافيا بالدرجة الأولى، إذ تلقن فيه دروس اللغة الفارسية إلى جانب التدريب على الفنون اليدوية وحفظ القرآن وتلقين الدروس الدينية وتعاليم الإسلام الحنيف من خلال نخبة من الأساتذة الإيرانيين. مسجد من أكبر المساجد فى منطقة القوقاز، بنى فيما بين عامى 1766 و1769م فى خلافة الإمام الحسين على حاكم «خان» يريفان فى ذلك الوقت.. ولم يكن هذا المسجد الوحيد قبيل انضمام أرمينيا إلى الكتلة السوفيتية، بل كان هناك ثمانية مساجد أخرى فى يريفان. وفى عام 1962 تحول المسجد الأزرق بأمر من الحكومة السوفيتية إلى أثر تاريخى يمنع فيه ممارسة الشعائر الدينية من ذلك التاريخ وحتى حرب ناغورنو كاراباخ بين أرمينيا وأذربيجان (1988-1991)، التى أدت إلى فرار الأغلبية الأذرية «المسلمة» من البلاد التى كانت تعتبر المسجد الأزرق المسجد الرئيسى بالنسبة لها. سبعة آلاف متر مربع يحتلها هذا المسجد الضخم فى قلب العاصمة الأرمينية.. ساحة كبيرة تتوسطها حديقة شاسعة وتزينها نافورة كبيرة وأشجار ضخمة ونادرة تظللها من جميع الجهات تشكّل مع اللون الأزرق الذى لا ترى العين سواه من داخل المسجد سيمفونية رائعة من ألوان الطبيعة التى ترمز إلى الحياة والرخاء. ساحة كبيرة للصلاة ذات طابع إسلامى وفارسى فى ذات الوقت، وتضىء الأنوار التى تتلألأ من الثريات ومن النجف فى كل مكان لتنعكس على الأعمدة والجدران المرمرية والزجاج المعشق ذى الألوان الزاهية، إضافة إلى الآيات القرآنية المحفورة فى الجدران والخشب باللغة الفارسية، التى تجذب انتباه الزائر لهذا الصرح الذى ينقله إلى بلاد فارس. وعلى جانبى الحديقة توجد 28 صالة (14 على كل جانب) تضم ثلاثة معارض للصور التى تؤرخ للمسجد منذ تشييده وحتى مراحل ترميمه وإعادة افتتاحه ومعرضاً آخر لصور الكنائس الأرمينية بإيران. وفى حديث ل«المصرى اليوم».. يقول على مورافيش – ذو الثمانية والعشرين عاما، والمسؤول عن جمعية الطلاب الإيرانيين والمكتبة داخل المسجد – إن المسجد يضم مكتبة ضخمة تحتوى على حوالى 700 كتاب من الكتب الدينية والقرآن الكريم والمراجع الدينية الإسلامية للطلاب والباحثين فى شؤون الدين الإسلامى، إلى جانب عدد من الكتب الأدبية والتاريخية والسياسية والعلمية، كما تحتوى المكتبة على أرشيف لشرائط الفيديو والكاسيت لتعليم الزائرين تعاليم الدين الإسلامى. وأضاف على – الذى يعمل بالمسجد إلى جانب دراسته فى إحدى الجامعات الأرمينية فى مجال الهندسة – أن المسجد يقدم عدداً من الأنشطة الثقافية الأخرى مثل دروس تعليم اللغة الفارسية ومركز للمعلومات إلى جانب عيادة طبية. المسجد كخلية النحل.. مسلمون هنا وهناك..الأغلبية من الإيرانيين الذين يعيشون فى أرمينيا، يدرسون أو يعملون فى التجارة بالإضافة إلى عدد قليل من أبناء الجاليتين السورية واللبنانية.. أطفال وشباب وشيوخ.. رجال ونساء يحرصون على زيارة المسجد الذى يربطهم بدينهم الإسلامى الحنيف، باعتباره الوحيد فى أرمينيا.. سائحون من جميع الجنسيات يرتادون المسجد الذى يعتبر أحد المزارات السياحية أيضا فى يريفان. يقول أمير أوميد، ذلك الإيرانى ذو ال18 عاما، الذى يدرس الهندسة الإلكترونية بيريفان: «أحرص على القدوم إلى المسجد فى كل صلاة.. هناك شىء يربطنى بهذا المسجد الذى يشعرنى بأننى فى بلدى». الرأى ذاته لحسن مصطفى، الطالب الإيرانى الذى يدرس الطب بالعاصمة الأرمينية، ولكنه أضاف: «أنا أستفيد من المراجع التى توفرها مكتبة المسجد، والتى تساعدنى فى دراستى إلى جانب أننى ألجأ للشيوخ والأساتذة فى الاستشارات الدينية والحياتية أيضا». «أشعر بأننى فى دولة إسلامية عندما تخطو قدماى إلى داخل هذا المسجد حيث أحضر الدروس الدينية وأحفظ القرآن الكريم وأتعلم قواعد اللغة الفارسية».. هذا ما أكدته نسيم حسن، تلك الشابةالإيرانية التى تعيش بأرمينيا مع والدها، رجل الأعمال بيريفان. وتقول مريم سفقى هذه السيدة الإيرانية: «أحرص على اصطحاب طفلىَّ مرتين أسبوعيا لتلقى الدروس الدينية من أجل أن يرتبطا بديننا الإسلامى، خاصة أننا نعيش هنا فى أرمينيا».