غضب منى الدكتور أحمد كمال أبوالمجد، محامى الحكومة المصرية فى قضية «سياج»، لأننى أعلنت حزنى من حكم هيئة التحكيم الدولى بالحجز على جزء من أموال مصر فى الخارج، وتغريمها 700 مليون جنيه تعويضاً لرجل الأعمال «وجيه سياج» ووالدته.. أبوالمجد بدا حانقاً ومنفعلاً، واتهمنى بما لم أرتكبه من فعل، إلى حد التلويح فى وجهى بالمادة 302 من قانون العقوبات، وما أدراكم ما هى.. ورغم تقديرى الشديد لواحد من أبرز فقهاء القانون فى مصر، فإن ما يعلمه أبوالمجد جيداً أننى حين أكتب لا أسقط إلى حد التجريح أو السب والقذف.. وإذا كان علمه الواسع بالقانون يمنحه أحياناً قدرة التلويح به، فإن إحاطتى المحدودة بما يخص مهنتى من قوانين تعصمنى دائماً مما رآه تجاوزاً فى حقه. غير أن أقسى ما آلمنى فى تعقيبه على مقالى المنشور يوم الأربعاء الماضى، أنه مارس معى تهديداً أرفضه، ونفياً للآخر عفا عليه الزمن.. وربما أكون صريحاً إذا قلت إن مصر دفعت ثمناً باهظاً على أيدى جيل «الكبار»، ممن يتوهمون ألوهية تحصنهم من النقد، ويضفون على أنفسهم قدسية جلبت على هذا الشعب نكبات ونكسات بلا حصر! فى ظنى أن الزمن تغير - يا دكتور - ولم يعد ممكناً ولا مقبولاً أن نتلقى صفعة تلو الأخرى دون أن نتكلم.. لم يعد فى مصر مكان للصحافة الموجهة والخانعة.. وليس معقولاً أن تخسر مصر سمعتها فى العالم، وتدفع من لحمها الحى 700 مليون جنيه، ويستنكف أحد أن نسأل: لماذا.. كيف.. ومن المسؤول؟! إلا إذا تطوع المسؤولون عن «مهزلة سياج» بدفع هذا المبلغ من جيوبهم، وفى يقينى أنهم يستطيعون. من حقى.. ومن حق كل مصرى أن يطالب بتفسير يكشف كل الحقائق.. تحقيق رسمى ومحاكمة إذا لزم الأمر، زمان كان المواطن بلا حق فى المحاسبة أو حتى الشكوى، فهل تضن علينا الآن بالشكوى بعد أن عزت المحاسبة؟! ثم ما حكاية «لا نملك.. ولن نسمح لأنفسنا أبداً أن يستدرجنا أحد إلى الإفضاء بشىء نقطع بأنه يضر بالقضية».. أى قضية.. لقد صدر حكم نهائى، ولن يفيد أى طعن حتى لو حدثت المعجزة التى تبشرنا بها، فهل تطمس المعجزة الإلهية معالم الأخطاء والتجاوزات التى وقعت من أطراف عديدة على مدى سنوات عدة. الأستاذ الدكتور أحمد كمال أبوالمجد اعتدت أن أصدقك، ومازلت مصراً على ذلك.. غير أننى أصبت بصدمة قاسية حين قرأت ما ذكرته عن قضية «أجريوم» ونصه: «وأما إشارة الصديق عصام سلطان، المحامى، فتتعلق بموضع آخر مختلف فى سياقه وهو قضية (أجريوم)، ولم يكن لى اتصال بها من أى نوع».. هكذا قطعت سيادتكم بعدم وجود أى اتصال لكم بهذه القضية، مع أن الثابت أنكم حضرتم جلستين يومى 12/5/2009 و30/6/2009 عن شركة «أجريوم» للمنتجات النيتروجينية بتوكيل أمام محكمة القضاء الإدارى الدائرة الأولى «دائرة الثلاثاء» التى يرأسها الدكتور محمد أحمد عطية، وكانت الدعوى مرفوعة من أهالى دمياط ضد شركة «أجريوم» بسبب تلوث مصنعها، فلماذا تتبرأ من ذلك الآن، وكيف أصدق ما جاء فى ردكم بخصوص «سياج»؟! أما فيما يتعلق بالاتهامات التى وجهتها لى، والألفاظ التى تحمل استخفافاً بدور ورسالة الصحافة، فلن أعلق عليها لأن القارئ وحده هو الجدير بالرد، فالقضية كلها تخصه، الأرض التى بيعت ل«سياج» ثم «حسين سالم» هى أرضه، وأموال التعويض سيدفعها من ماله.. والحكم بينى وبينك ينبغى أن يكون له.. تماماً مثلما حكمت هيئة التحكيم الدولى ضد مصر. دعنى - يا دكتور أبوالمجد - أبدى استغرابى وذهولى مما ورد فى تعقيبكم، وعلى سبيل المثال قلتم «إن المحامين ومنهم محام ومحامية من الشباب، شهد الله أنهما بذلا جهداً مضنياً فى خدمة القضية، وليت أحداً ممن ألقوا القول ووجهوا الاتهام وهم جلوس فى مقاعدهم المريحة بمقر الجريدة، ليتهم كانوا معنا خلال أربعة عشر يوماً أمضيناها فى غرف مغلقة بالفندق فى باريس مجتمعين ليل نهار».. مبدئياً دعنى أقل لك إننا لا نجلس على مقاعد مريحة، ففى هذا الوصف استخفاف نادر بالعمل الصحفى، فلولا وجودنا الدائم فى الشارع وبين الناس، لما وثق فينا القارئ، أما مسألة الجهاد والكفاح فى فندق باريس، فأنا لا أنكرها.. ولكن السؤال الآن: هل كان فريق المحامين متطوعاً دون أن يحصل على أجر.. ولأننى لا أريد أن أثير غضب القراء أو «أرفع ضغطهم» لن أذكر هنا المبالغ التى أنفقت والمقابل المادى الضخم الذى حصل عليه المحامون.. ولأننى - كذلك - لست من الحاقدين أو الحاسدين، أقول إنهم تصدوا لمهمة أوكلت إليهم، وتقاضوا أعلى أجر، ثم خسروا القضية بجدارة.. فلماذا المن علينا بالجهد فى فندق باريسى لمدة 14 يوماً.. إلا إذا كان هذا الفندق يعانى من نقص المقاعد المريحة.. ثم السؤال الأهم: من منا يرفض عرضاً مغرياً كهذا.. 14 يوماً فى باريس مقابل مبلغ محترم يحتوى على أصفار كثيرة؟! لن أطيل على القارئ الكريم.. إذ جاء وقت المفاجأة.. فالدكتور أبوالمجد كال لى الاتهامات لأننى لم أقدر جهد فريق الدفاع، حتى وصف مقالى ب«تهمة رخيصة».. حسناً.. دعنا نحتكم إلى مذكرة الحكم التى صدرت عن هيئة التحكيم الدولى فى قضية «سياج» لنعرف إن كنت أنا على صواب أم أنكم على حق.. فقد قالت الهيئة الدولية نصاً: «إن مصر لم تتقدم بأى بيان من أى شاهد لمناهضة الأحداث التى سردها سياج وشهوده الخاصة بالملكية، وبناء على هذه الحقائق التى وضعها المدعى ولم يتم فيها المنازعة من جانب مصر، وبناء على وجهة نظر التحكيم والدلائل الشفهية والكتابية، تم التوصل إلى هذه الحقيقة». وذكرت المحكمة كلاماً يثير الحزن والألم فى قلب أى مصرى.. إذ قالت: «مصر لم تتقدم بدلائل كافية فى المسائل التى أثارها التحكيم، خاصة ما يتعلق باتهامات لسياج بالتزوير والخداع»، ووصل الأمر إلى قول المحكمة: «إن دفوع مصر ضد سياج تضمنت إشارات بلاغية لا يمكن وصفها سوى أنها مبالغات واسعة النطاق». هل أزيد - يا دكتور أبوالمجد - من مذكرة التحكيم.. هل نروى من نقطة الصفر ما حدث فى هذه القضية.. هل ننام بضمير مستريح ونحن نقرأ كلامك عن ال«14 يوماً» من العمل الدؤوب ليل نهار.. أم ترى هيئة التحكيم الدولى رخيصة مثلما وصفتنى؟! كفاية!!