تحولت ندوة «آليات الرقابة وحرية التعبير فى العالم العربى»، والتى بدأت فعالياتها أمس فى مكتبة الأسكندرية إلى منبر لهجوم شرس، شنه عدد من الآدباء والفنانين المصريين والعرب الذين تعرضوا للمحاكمات والحجب، على المناخ الثقافى الحالى فى مصر والعالم العربى، بسبب ما وصفوه ب «سطوة آليات الرقابة الحالية، وتحالفها مع الفتاوى الدينية ونظم الحكم التسلطية». وقال الشاعر حلمى سالم – فى كلمته بالندوة – «نعيش فى مصر الآن تحالفا مقدسا بين الرقابة السياسية والرقابة السلفية الدينية ورقابة العقل الجمعى، وهو تحالف كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً». واستعرض سالم رؤيته لهذه الدولة، فقال إنها «دولة لا يخرج المرء فيها إلا إذا استفتى شيخاً، كما أن البرلمانات العربية انقلبت على دورها من الدعوة إلى التعددية والحرية وتغليب مصالح الشعب، إلى الدفاع عن الحاكم ومخاصمة الشعب، ضارباً نموذجاً على ذلك بأزمة رواية «وليمة لأعشاب البحر». وقال: «إن اللجنة الدينية فى مجلس الشعب المصرى هى التى قادت الحملات وأشعلت المظاهرات ضد الرواية، وكاد الأمر أن يتحول إلى فتنة طائفية، وهو سلوك تكرر فى البحرين مع عرض رواية مجنون ليلى لمارسيل خليفة، والتى هاجمها السلفيون هناك». وأشار سالم إلى أن الدساتير العربية الحالية «تناقض نفسها»، فهى تكفل حرية التعبير فى عدد من بنودها – حسب قوله - لكنها تفرغ هذه الحريات من مضمونها فى بنود أخرى. وفى الجلسة الافتتاحية قال الدكتور إسماعيل سراج الدين، مدير مكتبة الاسكندرية «بدون حرية تعبير وإبداع لا يمكن الوصول للحقيقة أو للاكتشافات،وفى مجتمعنا أرث يرفض الجديد ويقدس الماضى، وليس كل جديد بخبيث وليس كل قديم بمفيد». وأكد سراج الدين أن المجتمع الآن به قوى أكثر تشدداً من مقص الرقيب، مطالباً بمجابهة هذه التيارات لصالح حرية التعبير. وقال «أنا احترم ثقافتى العربية لكنى لا أقدسها، خاصة أننا ورثنا أحادية النظرة للقضايا الخلافية واختزال الثقافات إلى تناقضات ثنائية، كما أن السلطة والمجتمع يتعايشان بشكل تلقائى مع قضية إقحام الدين والمفتيين فى كل شىء، وأقول ليس كل تشريع بحاجة إلى فتوى دينية». وفى الجلسة الأولى، والتى أدارها الكاتب والناقد حلمى النمنم، قدم الروائى السورى حيدر حيدر شهادته حول تجربة نشر روايته «وليمة لأعشاب البحر» فى مصر، ومنع هذه الرواية، قائلاً فى هذه الشهادة التى حملت عنوان «الرقيب السياف»، «إن الرقابة العربية تشبه السيف المسلط على رقاب المبدعين الأحرار فى جميع المجالات، فالرقيب له سيف مضاد للتنوير وهو مسلح بسلطة الدولة السياسية وسلطة المؤسسة الدينية المعادية للتنوير والإبداع، وهاتان السلطتان لهما حراس ومثقفون وكهنة». وأضاف حيدر «هناك تجارب مبدعين عديدين تعرضت أعمالهم للمنع وتعرضت حياتهم للتهديد مثل طه حسين ونجيب محفوظ وفرج فودة، الذى تم اغتياله فعلياً»، مستعرضاً روايته التى تم منع بيعها فى سوريا من قبل وزارة الثقافة هناك. وقال «منعى لم يبدأ مع الوليمة، ولم ينتهى بروايتى الأخيرة هجرة السنونو، فقد تعرضت قصتى الفهد إلى المصادرة أيضاً من وزارة الثقافة السورية، عندما تحولت إلى فيلم سينمائى بذريعة أن بطلها كان مطارداً ثم تحول إلى سياسى وزعيم، وللعلم فإن القصة المكتوبة كانت صادرة عن وزارة الثقافة السورية أيضا». وأضاف: «كتبت فى عام 1969 قصة بعنوان صيف محترق، حكيت فيها قصة أحد الضباط المهزومين فى 1967، وكيف حصل هو وزملاؤه على المكافآت والمرتبات السخية، وقلت إنه وغيره يستحقون المحاكمة وليس المكافآة، فتم منع القصة لمدة عام كامل ثم صدرت بعدها، كما أن لى رواية بعنوان الزمن الموحش، تعرضت هى الأخرى للمنع عام 1974 من دخول سوريا رغم انتشارها فى لبنان». وعن «وليمة لاعشاب البحر» أشار حيدر إلى أنها صدرت فى قبرص بأموال «اقترضها» من الناشر الذى يعمل معه فى بيروت، وذلك بعد أن رفض طباعتها فى لبنان لأسباب سياسية، حيث كان حزب الكتائب يهيمن على الأمور السياسية فى حينها. وقال «شحنت نسخها سراً إلى لبنان ومنها إلى سوريا، حتى شعرت بأننى تحولت إلى مهرب ثقافى»،مؤكداً أن «الوليمة» مُنعت 11 عاماً فى سوريا لأسباب سياسية غير دينية. وعن أزمتها فى مصر قال: «اتصل بى أحد الأصدقاء صيف عام 2000، وقال إن كاتباً اسمه محمد عباس نشر مقالاً فى جريدة الشعب ملىء بالمغالطات والأكاذيب والكراهية عن الرواية ومضمونها»، واعتبرت الموضوع رأياً قابلاً للمناقشة، فكتبت فى «إطار الأدب» مقالاً بعنوان «لا لمحاكم التفتيش»، لكن الخطورة فى المقالات التالية التى كتبها عباس وآخرون، ثم خروج المظاهرات الأزهرية المطالبة بدمى، وأعمال الشغب التى تلتها». وأضاف حيدر «جميع المتظاهرين وكثير من الكتاب لم يقرأوا الرواية من الأساس، بل إن بعضهم قال إننى كاتب جزائرى وآخرون قالوا بل عراقى». واتهم حيدر: بعض الفضائيات خاصة الجزيرة، ومذيعها الأصولى احمد منصور – على حد وصفه – باستغلال الموضوع، معتبراً أنها لم تقدم للناس الحقيقة إطلاقاً بل قدمت «تحريضاً ضده وضد الرواية»، وقال «منصور وصف الرواية بأنها كانت تباع على الأرصفة ولا يهتم بها أحد، وأنها لا تتضمن أى إبداع بل عرض لعلاقة جنسية بين أستاذ وتلميذته». وأشاد حيدر بهيئة قصور الثقافة التى تحملت الكثير بعد نشر الرواية فى مصر، كما أشاد بالكاتب إبراهيم أصلان وعدد من المسؤولين عن السلسلة التى نشرت «الوليمة»، والذين تعرضوا للمحاكمة بسببها. وفى رده على سؤال ل«المصرى اليوم» حول ما إذا قابل الكاتب محمد عباس الآن فماذا سيقول له، رد حيدر « سأقول له سامحتك فى كل شىء حى إهدارك لدمى، فأنت كتبت وأنا قلت الكثير، لكنى لا أسامحك أبداً عن سبك لعائلتى وخاصة لأبى الراحل». وأضاف «السياف محمد عباس وصف والدى الراحل وهو الشيخ الزاهد التقى، بأنه كافر، وأنا أسامحه على دون ذلك». أما الفنان مارسيل خليفة والذى تعرض للمنع مرتين بسبب عمليه الفنيين «مجنون ليلى» و«أنا يوسف يا أبى»، وصغف ما تعرض له فى البحرين وما تلاها من حملات فى عدد من العواصم العربية بأنه «اتهام باطل»، مؤكداً أن الإسلام دين التسامح ولا يستقوى بدعاة الظلامية، فضلاً عن أنه قائم على الحوار والاجتهاد ولا يحتاج للصراخ ودعاة الانفلاتية.