قبل أسبوع واحد من القبض عليه، جرى هذا اللقاء مع الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح، عضو مكتب الإرشاد بجماعة الإخوان المسلمين، أمين عام اتحاد الأطباء العرب. فى البداية، كان أبوالفتوح الذى يعبر عن الجناح الإصلاحى فى الجماعة متخوفاً من التورط فى الإجابة عن الأسئلة قائلاً «إن معظم ما أقوله يساء فهمه وهذا مما يزعجنى»، ولكن بعد قليل من الدردشة، أصبح الرجل أكثر ارتياحاً، يتلقى كل سؤال ثم يرتب أفكاره للإجابة. ويعتقد الكثير من الخبراء أن أبوالفتوح مع الدكتور عصام العريان، يعدان من أهم الإصلاحيين «الإخوان»، وهما لذلك يتصدران صفحات الجرائد فى الغرب. شق القيادى البارز طريقه إلى قمة الجماعة بهدوء شديد. بدأ نشاطه السياسى خلال سبعينيات القرن الماضى، فى الوقت الذى كانت فيه «الإخوان المسلمين» جماعة سياسية مجمدة، بعد تعرضها للقمع الحكومى خلال الستينيات، حيث اعتقل وتوفى الكثير من أعضائها. «لم يكن نشاطنا فى الجامعة يندرج تحت أى مسمى».. هكذا استهل أبوالفتوح حديثه. وقال: «عندما التحقنا بالجامعة كانت الحركات اليسارية والوطنية فقط هى الموجودة، ولم يكن هناك وجود لأى عمل إسلامى، وعندما خرج أعضاء الحركة المحبوسون من السجن وجدوا فى الجماعة الحركة الإسلامية التى توحد صفوفهم وتحمل أفكارهم». ومنذ الوقت الذى كان فيه بالجامعة وحتى الآن، كان أبوالفتوح دائماً يسعى لمساعدة الآخرين. فى البداية كان الطب هو متنفسه الرئيسى فى تقديم مساعداته، ولكن خلال عقود ثلاثة منذ أن كان بالجامعة أصبح الطالب النشط قطباً أساسياً فى قيادة «الإخوان» المثيرة للجدل دوماً. يقول أبوالفتوح إنه خلال السنوات الأخيرة، وكنتيجة لنجاح الجماعة فى الانتخابات وفى كسب ود المصريين، اتهم الكثير من المحللين والمنظرين الجماعة بالسعى إلى تطرف الأمة ودفعها باتجاه الإسلام المحافظ. ولكن وفقاً لأبوالفتوح هذا غير صحيح. ويوضح: «الإخوان المسلمون يعملون فى ظل نظام مستبد ودولة بوليسية، لسنا جماعة متطرفة على العكس من ذلك نحن جماعة إصلاحية تهدف إلى إصلاح المجتمع الذى فى رأينا بحاجة إلى ذلك»، ويواصل أبوالفتوح حديثه: «الفساد والحكم الاستبدادى هما ما استدعيا الإصلاح، ولا بديل لدينا عن الإصلاح الهيكلى». ويشير فى هذه النقطة إلى «بعض الادعاءات بأن الجماعة تهدف إلى قلب نظام الحكم واستخدام العنف فى إقامة الحكومة الإسلامية»، لافتاً: «إننا نريد أن نخلق رأياً عاماً يؤمن بالحرية والعدالة والتنمية، هذا الرأى العام يكون قادراً يوماً ما على عمل التغيير من خلال نظام ديمقراطى»، ويستطرد أبوالفتوح: «أما بالنسبة لمسألة الثورة الشعبية، فهذا ليس ما نسعى إليه». ويعتبر الكثير من ناشطى الإخوان المسلمين المحسوبين على الجناح الإصلاحى للجماعة أبوالفتوح مثلاً أعلى لهم، بمن فى ذلك عبدالرحمن عياش «20 عاماً» الذى قال فى حوار سابق إن أبوالفتوح هو من أهم الأسباب التى تجعله يكتب «أحترم هذا الرجل فهو يسمح بالمناقشة فى مختلف القضايا والموضوعات التى أعتبرها قريبة من قلبى».. هكذا يريد عياش معرباً عن أمنيته أن يكون ذلك هو الدرب الذى يسير عليه الإخوان فى المستقبل. ويرى الإخوان المسلمون أن اشتباك واشنطن غير ضرورى لنجاحهم. يردد أبوالفتوح مثل هذه الفرضية ولكن مع مناقشة الدور الذى يمكن أن تلعبه الولاياتالمتحدة فى السياسة المصرية. ويقول: «الطريقة التى تتعامل بها الولاياتالمتحدة مع الإخوان هى جزء من أهدافها فى التعامل مع العالم الإسلامى»، مؤكداً أن «الإخوان لا يريدون معاملة خاصة، هم فقط يسعون إلى أن تقيم الولاياتالمتحدة، أكبر دولة فى العالم، علاقتها مع الآخرين سواء فى العالم الإسلامى أو الأفريقى أو اللاتينى على ثلاثة أسس: احترام حريات الآخرين، التعامل العادل مع دول العالم، واحترام حق الآخرين فى النمو بحيث لا يكون من حقها كدولة كبرى أن تحول دون محاولات التطور التكنولوجى أو البحث العلمى للآخرين»، معتبراً أن ذلك من شأنه «أن يؤدى إلى الحفاظ على استقرار حول الكوكب». ويتساءل أبوالفتوح: «لماذا يهاجر الجنوب إلى الشمال؟ بسبب الجهل والفقر وغياب الحرية والعدالة فى بلادهم»، مجدداً تأكيده: «نحن لا نريد معاملة خاصة من الولاياتالمتحدة، أو أن نقيم علاقات خاصة معها. كل ما نريده هو أن تتعامل مع العالم الإسلامى من خلال ثلاثة أمور: الحرية والعدالة والتنمية». وعند الحديث معه حول نبرة التفاؤل التى ارتفعت مؤخراً فى المنطقة بعد زيارة أوباما الأخيرة، يرى القيادى الإخوانى البارز «أن الولاياتالمتحدة يجب أن تلتزم بالمعايير التى تطبقها على شعبها عند تعاملها مع الآخرين»، ويقول: «بالطبع هناك قدر من التفاؤل تجاه واشنطن، ولكن هذه المشاعر لم تترجم بعد إلى الواقع.. وحتى الآن فإن أوباما يبدى درجة من التحرك الإيجابى». بالتأكيد لا يمكن الحديث مع قيادى إخوانى، إصلاحياً كان أو محافظاً، دون التطرق لموضوع البرنامج الحزبى الجارى مناقشته. ويرى أبوالفتوح أن وسائل الإعلام قد أساءت فهم هذا الموضوع، موضحاً: «كان هناك نوع من سوء الفهم فى وسائل الإعلام خصوصاً فيما يتعلق بالجدل الذى ثار بين المتطرفين والعلمانيين. وسائل الإعلام المحلية قالت إن الإخوان يسعون إلى منع النساء والأقباط من الترشح للرئاسة، وهو ما يتنافى مع مبدأ المواطنة الذى يلتزم به البرنامج الحزبى، والذى لا يفرق بين رجل وامرأة. ما نقوله هو إنه إذا ما جاءتنا الفرصة فى وقت ما لاختيار مرشح، هذا هو المعيار الذى سنختار وفقاً له، كذلك هو الأمر بالنسبة لجميع الجماعات الأخرى، التى من حقها اختيار المرشح الذى تراه مناسباً، هندياً كان أو بهائياً أو شيوعياً». «فى النهاية نتفق جميعاً على حق الناس فى الاختيار. إذا أردت أن تنتخب شخصاً ما فلتفعل، فيمكن للناس اختيار من يريدون» هكذا يقول أبوالفتوح مدافعاً عن خارطة الحزب. ولكن يبقى السؤال: أين ستكون الدولة والإخوان خلال الخمس سنوات المقبلة؟ يأمل أبوالفتوح فى أن تصبح الديمقراطية جزءاً من الحياة المصرية بمرور هذه المدة، ويقول: «أتصور أنه إذا ما طبقت الديمقراطية، فإن هذا النظام المستبد سيرحل عما قريب». مترجم من الطبعة الإنجليزية ل«المصرى اليوم»