تكون بيئة العمل «عيالى» بمعنى «اللعب» بالمشاعر والعواطف ومصالح الناس ويتحول جو الشغل إلى Game يمارس فيه البعض ضد البعض الفتونة والسخرية والاستهتار. عندما تجدين رئيستك تضع كلتا ساقيها على المكتب وتتعمد دهنهما بالكريم وأنت داخلة تسألين مكتبها الرسمى عن أمر مهم، وعندما يتحلق حولك زملاؤك فى نوبة مسخرة وتهزىء، فتتحول بقدرة قادر من موظف «مفروض أن يكون له احترامه» إلى «أراجوز» أو «عبد» أو «مرمطون» ومجرد «مضحك» للسلطان!. وقد تعمل مع مدير غبى ينفخ فى «الأنا بتاعه» بمنفاخ عجلة، ويمنع عنك اللازم من المعلومات حتى تحتار وتنهار كالفأر فى المصيدة! أو أن يكون زميلك خائفًا جداً، مرتعدًا من أى نقاش أو نقد، ومن ثم تتراكم المشكلات وتتعقد كشباك الصيد. وفى آخر الممر ذلك الشاب التافه الذى يضايق كل من هبّ ودبّ بنكاته ثقيلة الدم مثله وبضحكته الفارغة كصوت العِرسة فى ظلماء الليل. ورغم الأزمة المالية العالمية وذعر الأنفلونزات وصخب العيش، لم يزل بعض العاقلين والموظفين والمدراء يسلكون سلوكاً غريباً، وينهجون نهجاً لا مسؤولاً، كما لو كانوا عيال، أو علّهم كذلك فعلاً. المفروض أن سلوك البنى آدم يكون متوافقاً مع من حوله متناغماً مع بيئة عمله وطبيعتها «بصرف النظر عنها»، يحكم سلوكه الضمير والأخلاق. فأفكارنا وأفعالنا مرتبطة «دون أن ندرى غالبا» بسلوكياتنا داخل «بيوتنا»، واحنا «عيال»، ويبدو أنه تحت ضغط الحياة اليومية بحلوها ومرها، نعود القهقرى إلى أيام زمان وكأننا نَحِن حنيناً جارفاً إلى «الزق والضرب تحت الحزام، إلى الزُنب والخبص والتوقيع». فهذا الواقف «دون عمل» عند ثلاجة المياه يلعب فى الأكواب البلاستيكية البيضاء، يرسل نكاتاً حمقاء فى الهواء، يتفادى المارة بالكمامات وبالتجاهل، وأحياناً بالسب المكتوم صمتاً، وأحياناً بالسب المعلن ضيقاً وحنقاً. هذا المسكين ربما قد أتى من أسرة تمر بأزمة «عائلها مريض بمرض عضال ويدنو من أجله».. وهو يهرب من فكرة المرض والموت والفقدان لعزيز بسخيف القول والفعل، كحيلة نفسية دفاعية يدرأ عنه بها سلطان القسوة.. «ببساطة هو مش ناقص جد ومسؤولية فى الشغل». لا يود نقداً ولا يريد لوماً ولا عايز حاجة. أما زميلتك الأخرى التى تجاهد كى تحسسك بأنك فعلاً مغفل وغبى، وكأنها تنتقم من أختها التى عاملتها لسنوات كتافهة لا تساوى شيئًا. وإذا لفت نظرك مديرك «من حقه وهذا هو دوره» تراه فجأة يصير أباك، تتكون ردود فعلك فى جزء من الثانية، ومع الإجهاد وقلة النوم تصل إلى ذروتها، وتذوب تحت وطأة كل تحابيش العمل المثيرة للأعصاب، وكل طلباته التى لا تنتهى فتخطئ وتتمادى فى خطئك ولا تقبل التصحيح فتحس بالاضطهاد والاكتئاب والظلم وتصبح فى خمس دقائق ضحية القرن الواحد والعشرين. فى بيئة العمل حوالى 13 شخصية، منها ذلك الذى يضطهِد، وهذا الذى يتجنب، والبهلوان، والشهيد، والمتمرد، ولابد لنا أن نفهمهم ونفهم دوافعهم حتى نعرف كيف نتعامل معهم. من المهم أن يرى هؤلاء مرشدًا نفسيًا «يطلع بلاويهم من الماضى»، ويخفف عن كواهلهم تلك الأثقال المزعجة منذ الطفولة. لابد من مواجهة شيطاننا الكامن فى أعماقنا، وكلنا رأى رؤساء مجالس إدارة، ومديرى عموم «خارج نطاق العقل والخدمة» استمروا بخبرتهم فقط وحنكتهم، لا بسلوكهم وتصرفاتهم. فكر، حاول ألا تأتى بشغل العيال من زمان إلى مكان العمل، فالناس «مش ناقصة» و«مالهاش دعوة». حاول أن يكون هناك منك وعليك ضبط وربط. لا تدع نفسك تسقط فى هوة «عُقد الآخرين»، مهما كان حجمهم ومكانتهم التزم الحسم والحزم وحفظ الكرامة. ادفع عنك الأذى. امتلئ بالثقة، لكن لا تمش فى الأرض مرحاً.. حاول أن تحتفظ بوزنك وتوازنك. لا تتردد إن أمكنك ذلك أن تغير بيئة عملك من تلك «العيالى» لمكان آخر فيه بعض «الرجولة». www.drfadel.net