يتعرض مشاهدو التليفزيون هذه الأيام لإعلان يتكرر على الشاشة، ويقول: استرجل واشرب بيريل! ولا أحد يعرف ما هى العلاقة بين تناول أى مشروب، وبين أن يصبح متناوله رجلاً، فالرجولة فى كل الأحوال ليست مرتبطة بالأنوثة، ولا بالذكورة، ولا يجرى اكتسابها بتناول هذا المشروب، أو ذاك، ولو كان المشروب بيبسى أو كوكاكولا أو حتى خمراً!!.. ولم توقف حدود الإعلان، عند التواجد على الشاشة فقط، وإنما انتشر فى الشوارع والميادين، بحيث أصبحت لافتاته تفقأ كل عين بلا حياء! وما نعرفه أن بعضنا قد يصف امرأة أحياناً، بأنها «راجل» أو بأنها «ست بمائة راجل» دون أن يكون معنى ذلك، أنها بصفاتها التشريحية أقرب إلى الرجال، منها إلى النساء.. فالمقصود دوماً عند ترديد مثل هذه العبارة فى وصف امرأة، أن سلوكها المتزن، أو القوى، أو العاقل، يجعل منها رجلاً بهذا المعنى، وليس بأى معنى آخر.. ولا يرتبط سلوكها أو موقفها إذا وصفها أحد بهذه الصفة، بأى مشروب تتناوله! والشىء المدهش فعلاً، أن يكون الإعلان إياه قد تكرر على أكثر من شاشة، وفى أكثر من ميدان دون أن يثير انتباه أحد من الذين عليهم أن يراقبوا ما تعرضه الشاشات على الناس، وأن يتأكدوا من أن أى إعلان ليس مجافياً للذوق العام على الأقل! والمؤكد أن الإعلان، بهذه الطريقة، وبهذه الكيفية التى تجرح مشاعر أى إنسان طبيعى، قد أثار الغضب فى نفوس كثيرين من المشاهدين، وقد أثار استياءهم، ولكنهم فى النهاية مجرد مشاهدين لا حول لهم ولا قوة، فيما يتعرضون له على الشاشة، طوال ساعات اليوم.. وليس فى إمكان أحد منهم أن يغير شيئاً فى هذا الإعلان أو غيره، لو أراد.. إن عينه بصيرة ويده قصيرة! ولا أحد يعرف ما هى الجهة التى علينا أن نتوجه إليها، لوقف هذا السخف فى حق المشاهد، ولا نعرف ما إذا كان هناك شخص مسؤول، على وجه التحديد، يمكن أن يستغيث به المشاهدون، فى مواجهة اعتداء صارخ على حق كل واحد فيهم، على مدار الساعة، فى ألا يتعرض لما يؤلمه أو يسىء إليه؟! هل نتوجه مثلاً إلى جهاز حماية المستهلك، الذى كان المفترض فيه، منذ البداية، أن يعترض على استمرار الإعلان، بهذه الصورة، ويطلب وقفه على الفور، باعتبار أن استمراره مرتبط بترويج سلعة يمكن أن يشتريها أى مواطن؟! أم نتوجه إلى المصنفات الفنية التى قطعاً لا يرضيها هذا الهبوط فى مخاطبة الملايين، أم نتوجه إلى ضمير الشركة المنتجة ذاتها، أم نراهن على الذوق العام إجمالاً، ومدى قدرته على أن يلفظ سخفاً من هذا النوع؟!.. أم إلى المجلس الأعلى للشباب.. أم إلى مَن؟! حد يسترجل.. ويحترم الناس!