مودرن سبورت يستعد لمواجهة الأهلي بالفوز على وادي دجلة    إغلاق عدد من المقار الانتخابية بالخارج مع استمرار عملية التصويت في انتخابات الشيوخ    قيادى فى "فتح": مصر شريك الدم ونرفض محاولات حرف البوصلة (فيديو)    إنجاز الضرائب    إعلام إسرائيلي: رئيس الأركان إيال زامير يفكر في الاستقالة    وزير الخارجية أدلى بصوته فور فتح اللجنة بواشنطن.. رسالة للمصريين في الخارج| فيديو    وزير الرياضة : الاسكواش المصري يواصل ريادته العالمية    الاتحاد الإسباني يوجه صدمة ل ريال مدريد بشأن افتتاح الليجا    العثور على جثة تاجر سيارات في عقار تحت الإنشاء بنجع حمادي    انطلاق النسخة التاسعة من معرض «أخبار اليوم للتعليم العالى» 13 أغسطس    قبل غلق التصويت.. توافد كثيف من الجالية المصرية بالرياض للمشاركة في انتخابات الشيوخ    الاستعدادات النهائية لحفل عمرو دياب بمهرجان العلمين.. حضور جماهيري كثيف    «الموسيقيين» تستنكر الهجوم على مصطفى كامل وتؤكد: ندعم قرارات النقيب    هل يشعر الأموات بما يدور حولهم؟ د. يسري جبر يوضح    أمين الفتوى: البيت مقدم على العمل والمرأة مسؤولة عن أولادها شرعًا    للرزق قوانين    الخوف المفاجئ أثناء النوم.. إليك الأسباب    دراسة| الأطعمة فائقة المعالجة تزيد من خطر الإصابة بسرطان الرئة    الزمالك يخسر ودياً بثلاثية أمام بروكسي    بعد تهديدات روسيا.. ترامب يأمر بنشر غواصتين نوويتين    ‬"لبست الكفن بدل فستان الفرح".. عروس وأمها يلقيان مصرعهما قبل ساعات من الزفاف في كفر الشيخ    القاهرة الإخبارية: وزير الخارجية بدر عبدالعاطي أدلى بصوته فور فتح اللجنة بواشنطن    الهيئة الوطنية للانتخابات: تصويت المصريين بالخارج يسير بسلاسة وتنظيم عالٍ    وزير الكهرباء: لدينا شبكة كهربائية آمنة ومستقرة وفرق عمل تواصل الليل بالنهار لتأمين التغذية والارتقاء بجودة الخدمات    هل أعمال الإنسان قدر أم من اختياره؟ أمين الفتوى يجيب    ضبط صانعتي محتوى بتهمة نشر مقاطع خادشة للحياء عبر مواقع التواصل الاجتماعي    مصدر مقرب من مصطفى محمد ل في الجول: الاتفاق قريب بين نيوم واللاعب.. وموقف نانت    تقارير: مفاوضات متقدمة من الترجي لضم شالوليلي    وزير الخارجية: مؤتمر «حل الدولتين» نجح في إعادة القضية الفلسطينية إلى صدارة الاهتمام    جامعة قناة السويس تطلق قافلة شاملة لخدمة أهالي فايد مجانًا    تحرير 141 محضرًا للمحال المخالفة لمواعيد الغلق الرسمية    «البحوث الزراعية» ينفذ ندوات توعوية لترشيد استخدام المياه في 6 محافظات    علي هامش كأس العالم لناشئي الاسكواش| وزير الرياضة يلتقي بالقائم بأعمال السفارة الأمريكية في مصر    تقرير: نيوكاسل يرفض عرضا من ليفربول لضم إيزاك مقابل 100 مليون جنيه استرليني    رئيس إيطاليا: تجاهل إسرائيل المتكرر لقواعد القانون الإنساني الدولي أمر غير مقبول    «الزراعة» تطلق حملات لمكافحة الآفات في حقول الشرقية    عمومية اتحاد المهن الطبية ترفض ميزانية 2020/2021 وتقر زيادة المعاشات إلى 2000 جنيه    وزير الأوقاف يؤدي صلاة الجمعة من مسجد الإمام الحسين    مصر تتعاون مع شركات عالمية ومحلية لتنفيذ مشروع المسح الجوي للمعادن    ليلة استثنائية مع الهضبة.. جمهور عمرو دياب ينتظرون حفلته في مهرجان العلمين    إحالة اثنين من الأئمة للتحقيق لمخالفتهم التعليمات لخطبة الجمعة ببني سويف    لأول مرة.. القومي للمسالك البولية يجرى أول عمليتي زراعة كلى متزامنة    سلام: لا إنقاذ ل لبنان إلا بحصر السلاح في يد الجيش وحده    بدر عبد العاطي يجري اتصالًا هاتفيًا مع وزيرة خارجية موزمبيق    بمشاركة 231 كاتبًا وكاتبة من 28 بلدًا :انعقاد الدورة الثامنة من جائزة الملتقى للقصة القصيرة    أحمد السعدني عن مسرحية الملك هو الملك: من كتر حلاوتها كنت باتفرج عليها كل يوم    الصحة: اكتمال المرحلتين الأولى والثانية من المسح الميداني لمرض التراكوما في الفيوم وبني سويف    8 قرارات جمهورية مهمة وتكليفات حاسمة من السيسي للحكومة وكبار رجال الدولة    إسرائيل تجلي معظم موظفي بعثتها الدبلوماسية في الإمارات    الإسكان: تكثيف الأعمال بالمشروعات الخدمية في منطقة غرب المطار بأكتوبر الجديدة    مصادر طبية: شهداء وعشرات المصابين بنيران الاحتلال في قطاع غزة اليوم    أسامة ربيع: قناة السويس عصية على المنافسة ومنصات أجنبية تتوقع تحسن الوضع الملاحي الفترة المقبلة    4 مصابين وأنباء عن حالة وفاة في حفل محمد رمضان بالساحل ومشاهد لهرولة سيارات الإسعاف لإنقاذ الضحايا    جريمة في عز الرجولة.. مقتل شاب أثناء دفاعه عن فتاة بالقليوبية    اليوم، بدء التسجيل لاختبارات الدبلومات والمعاهد الفنية للالتحاق بالجامعات 2025    مستقيل ويعاني مرضا نفسيا، الداخلية تكشف حقيقة اختفاء ضابط سابق قسريا    ننشر حركة تنقلات الشرطة وضباط المباحث في محافظة البحيرة    ننشر حركة التنقلات الداخلية لرؤساء المباحث والأقسام بالقليوبية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إدارة التنوع والاختلاف فى النظام المصرى
نشر في المصري اليوم يوم 28 - 06 - 2009

خلق الله الناس مختلفين، فمنهم الأبيض والأسود، الطويل والقصير، الوسيم والقبيح، الذكى والغبى، السوى والعليل... إلخ. كذلك الحال بالنسبة للدول، فمنها الكبير والصغير، الغنى والفقير، القوى والضعيف، المتقدم والمتخلف... إلخ. وكما يؤدى تنوع ألوان البشر وصفاتهم إلى اختلاف سلوكهم وتصرفاتهم، فمن الطبيعى أن يؤدى تنوع أحجام الدول وأوزانها إلى اختلاف سلوكها وتصرفاتها.
 وبينما يُفسَّر الاختلاف فى سلوك البشر بأسباب كثيرة، منها ما هو وراثى، يتعلق باختلاف النظم الجينية، ومنها ما هو مكتسب، له صلة بالبيئة والتنشئة الاجتماعية والسياسية، فإن اختلاف سلوك الدول يعود إلى سبب واحد وهو اختلاف نظم الحكم. فهناك نظم حكم صالحة تقود الدول والشعوب نحو الاستقرار والتقدم والرفاهية، وأخرى طالحة تدفع بها نحو الخراب.
لا يقتصر التنوع فى المجتمعات البشرية على تكويناتها العرقية أو الدينية أو الطائفية، كما قد يتبادر إلى الذهن لأول وهلة، وإنما يمتد ليشمل أيضا جميع مكوناتها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية. لذا يعد التنوع سمة لصيقة بالمجتمعات البشرية، خاصة حين تصل إلى أرقى أشكالها التنظيمية وهى الدولة القومية.
 ففى كل أنواع الدول والمجتمعات، بما فى ذلك أكثرها تجانسا، شرائح وطبقات اجتماعية تتفاوت حظوظها من الثروة والسلطة، وتيارات سياسية وفكرية تتفاوت رؤاها وأطروحاتها الأيديولوجية، وأصحاب مهن وأعمال تتباين مصالحهم إلى حد التناقض أحيانا. ومن الطبيعى، فى سياق كهذا، أن يتوقف صلاح نظم الحكم على مدى قدرتها على إدارة التنوع والاختلاف، دون إخلال، فى الوقت نفسه، بوحدة وتماسك المجتمعات.
فحين يكون الحكم صالحا تصبح التعددية التنافسية هى الآلية الصحيحة لإدارة التنوع والاختلاف على نحو يسمح بتحويل التنوع إلى مصدر قوة، ومفجر لطاقات المجتمع الإبداعية وتوجيهها لخدمة أهدافه فى التنمية والتقدم والاستقرار. أما حين يكون الحكم طالحا فليس أمامه سوى الاعتماد على آليات تعبوية أحادية تتعامل مع التنوع كعبء، مما يؤدى عادة إلى شل قدرات مجتمعية عديدة وتعطيل طاقاتها لينتهى به الحال إما إلى تحويل المجتمع إلى جثة هامدة أو الزج به فى مغامرات غير مضمونة العواقب. فكيف تعامل نظام الحكم فى مصر مع قضية التنوع والاختلاف، وهل لديه تصور لإدارتها مستقبلا بطريقة أكثر رشدا؟
تشير أى قراءة موضوعية لتطور النظام السياسى المصرى إلى أن فترة 1923-1952 كانت هى الأكثر تعبيرا عن خريطة التنوع السياسى والاجتماعى والفكرى فى المجتمع المصرى، فقد ظهرت خلالها أحزاب سياسية حقيقية مارست دورها فى جو أفسح من الحرية، وشهدت تشكيل نقابات واتحادات وروابط عمالية ومهنية دافعت بقوة عن مصالحها الفئوية، وأصبح المجتمع المدنى فى ظلها مرآة عاكسة لمخزون مصر الكبير من عناصر قوتها الناعمة.
 غير أن المأزق الذى عاشه النظام فى تلك المرحلة، والذى حُشر بين مطرقة الاحتلال البريطانى وسندان مؤامرات القصر، حالت دون تمكينه من تحقيق الأهداف المجتمعية الكبرى فى التحرر والتنمية. ومع ذلك فإن قوة المجتمع المدنى أضفت على النظام ما يكفى من حيوية لفتح آفاق التغيير على مصراعيها، والتمهيد لثورة يوليو التى التف الشعب المصرى حولها رغم أنها أخذت شكل الانقلاب العسكرى فى البداية.
وإذا كانت الثورة قد نجحت فى تحقيق الاستقلال الوطنى وبلورة معالم لمشروع حداثى متكامل فإن هذا النجاح لم يواكبه نجاح مماثل فى بناء نظام سياسى يعبر عن حيوية المجتمع المصرى ويستفيد من المخزون الكبير لقوته الناعمة. فقد قضى النظام السياسى للثورة على التعددية السياسية والفكرية، واعتمد آليات شمولية وتعبوية أحادية قادت البلاد فى النهاية إلى مغامرة عسكرية أدت إلى هزيمة مخزية.
 ثم جاء الرئيس السادات واعتمد على نفس الآليات لإحداث ثورة مضادة غيّرت من توجهات مصر السياسية والفكرية على الصعيدين الداخلى والخارجى، لينتهى به المآل إلى مغامرة سياسية أوصلته إلى أزمة أطاحت برأسه فى النهاية. ورغم محاولة الرئيس السادات إدخال تعديلات على النظام السياسى لثورة يوليو سمحت بقدر ما من التعددية فإنها لم تكن كافية للانتقال به من «الشرعية الثورية» إلى «الشرعية الديمقراطية».
ويتضح من الجدل المثار حول النظام السياسى لثورة يوليو، والذى لم يتوقف حتى الآن، أن هناك ميلاً عامًا لالتماس الأعذار لكل من جمال عبدالناصر وأنور السادات لتبرير عجزهما، حيث فُرض عليهما خوض معارك وتحديات هائلة على الصعيدين الداخلى والخارجى. غير أن الأمر يختلف كثيرا بالنسبة للرئيس مبارك الذى لم يعد بوسع أحد أن يلتمس له أعذارا من أى نوع، وذلك لأسباب كثيرة، أهمها:
 1- أن الرئيس مبارك لا ينتمى إلى مجموعة الضباط الأحرار التى صنعت ثورة يوليو، وبالتالى لم يكن مقيدا بالالتزام بتراث أو تحمل مسؤولية أخطاء أى منهما.
 2- أنه قاد البلاد فى مرحلة لم تفرض عليه اتخاذ قرارات استراتيجية تتعلق بقضايا الحرب أو السلام والاكتفاء بالإمساك بدفة سفينة تركها ربان فى بحر هائج إلى أن يصل بها إلى بر الأمان.
3- أنه ظل فى الحكم لفترة بلغت مجموع فترتى حكم عبدالناصر والسادات معًا، بما لا يسمح مطلقا بتبرير تردى الأوضاع الحالية بأخطاء سابقة.
4- تدفقت على مصر موارد كثيرة فى عهده لم تحصل على مثلها من قبل. 5- لم تخض مصر فى عهده، ولأول مرة منذ ثورة يوليو، أى حروب يمكن أن يقال إنها تسببت فى عرقلة خططها للتنمية. أى أنه أتيحت أمام مصر فى عهد الرئيس مبارك، الذى طال لأكثر من ثمانية وعشرين عاما، فرصة ذهبية لقيام دولة حديثة فى المنطقة. فأين مصر الآن من هذا الحلم الكبير؟
لا يتسع المقام هنا لعقد مقارنة تفصيلية بين الواقع الذى تعيشه مصر وطموحها، ولا حتى بين ما كانت عليه حين تسلم الرئيس مبارك زمام قيادتها وما هى عليه الآن. غير أننى على ثقة تامة بأن أى مقارنة موضوعية لن تكون لصالحه.
ولأن ما يعنينى هنا هو حجم التغير الذى طرأ على طبيعة النظام السياسى المصرى فبوسعى أن أقول إن جوهر هذا النظام بقى على حاله منذ ثورة يوليو وما طرأ عليه من تغير، خاصة فى عهد الرئيس مبارك، لم يكن فى الاتجاه الصحيح، كان نحو الأسوأ فى الغالب الأعم. فقد طالبت القوى الوطنية الرئيس مبارك بالعودة إلى النص الأصلى لدستور 71 لقصر ولاية رئيس الدولة على فترتين فقط، ولم يستجب.
وطالبته بالتخلى عن رئاسة الحزب الوطنى ليصبح فى موقع يسمح له بلعب دور الحكم النزيه بين قوى سياسية متنافسة ومتكافئة، ولم يستجب. وطالبته بتعيين نائب أو أكثر له وفق ما يقضى به الدستور، لكنه لم يستجب. وطالبته بإلغاء النص الخاص بنسبة العمال والفلاحين لأن الواقع الاجتماعى والاقتصادى للبلاد تجاوزه، لكنه لم يستجب. وطالبت بتعديل قانون الأحزاب للتخفيف من هيمنة الحزب الحاكم على الحياة السياسية فى مصر، لكنه لم يستجب.
ليس بوسع أحد أن ينكر حدوث بعض التغييرات الإيجابية فى مناخ الحياة السياسية فى مصر فى عهد الرئيس مبارك، ربما كان أهمها ظهور صحف مستقلة، وزيادة جرعة حرية التعبير، لكن هذه التغييرات أسهمت فى تنفيس حدة الاحتقان فى المجتمع بأكثر مما فتحت آفاقا حقيقية لتغيير طبيعة النظام السياسى على نحو يسمح بإدارة التنوع والاختلاف وفق قواعد جديدة أو منهج مختلف.
 وليس لدىّ أى تفسير آخر لحالة الجمود الراهنة وانسداد أفق التغيير السلمى فى النظام المصرى سوى إصرار النظام على مشروع التوريث الذى يعتقد مصمموه والمروجون له أنه الأفضل لتحقيق الاستقرار والاستمرارية. غير أننى على العكس أراه خطرا داهما على الاستقرار فى مصر، لأن المجتمع المصرى يبدو مقيد الأيدى والأرجل انتظارا للحظة الحسم التى أرجو ألا تطول؟
إذا لم يكن مشروع التوريث حقيقيا، كما تصر الرواية الرسمية، فكيف يمكن تفسير كل ما يحدث على الساحة المصرية، ولمصلحة من؟ أما إذا كان للمشروع أساس من الصحة فلماذا لا يحسم الأمر على وجه السرعة ولماذا الانتظار؟ أظن أنه بات من الأفضل للجميع أن يُحسم الأمر نهائيا وبأسرع ما يمكن.
 فإما أن يقرر الرئيس مبارك سحب جمال نهائيا من بورصة التداول السياسى لكى يقطع الطريق على المضاربين والساعين لإثراء سياسى غير مشروع، وإما أن يتقدم جمال لتولى القيادة الفعلية كى يبدأ فك القيود التى تحيط بأيدى مصر وأرجلها دون مبرر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.