موقع الحدث: مسجد «درانسى»، منطقة سان ساندونى (شمال شرق مدينة باريس). التوقيت: الاثنين الماضى. المشهد: 70 من «الكوماندوز» الإسلاميين يقتحمون المسجد وينتزعون الميكروفون بالعنف ويوجهون اتهامات بالكفر إلى الإمام حسن شلغومى فى حضور 200 من المصلين ويهددونه بالقتل، متهمين إياه بأنه «إمام اليهود». خلفية الحدث: ناصب المتشددون الإسلاميون فى فرنسا الإمام حسن شلغومى العداء بسبب آرائه الليبرالية وموقفه المناصر لقانون منع النقاب فى فرنسا. الإمام متهم من قبل التيار المتشدد بإقامة حوار مع الديانات الأخرى وكان قد استقبل فى المسجد رئيس مجلس المؤسسات اليهودية فى فرنسا، كما أن تاريخ الإمام حسن يسجل حدثاً سابقاً عندما دخلت إلى المسجد ثلاث منتقبات لا يبين منهن حتى العيون، وعندما وجه الإمام إليهن حديثاً فلم يرددن، قال إنه لا يعرف إن كان يوجه الحديث إلى نساء أم رجال. وقد صرح ممثل مؤتمر الأئمة فى فرنسا بأن اللغة التى استخدمها من انتزعوا الميكروفون تتخذ شكل الفتوى، وأضاف أن هؤلاء ينتمون إلى «مجموعة الشيخ ياسين» (إخوان مسلمين) التى يتم تحريكها من قبل اتحاد المنظمات الإسلامية فى فرنسا. وفى الخبر المنشور فى جريدة «لوموند» الفرنسية، نقلاً عن وكالة الأنباء الفرنسية (26 يناير)، نفى فؤاد العلوى، رئيس اتحاد المنظمات الإسلامية فى فرنسا، ما قاله ممثل مؤتمر الأئمة، مؤكداً عدم وجود أى علاقة بين الاتحاد والحادث، وأدان الهجوم والاتهامات ضد إمام المسجد، ولكنه صرح أيضاً بأن هذا الهجوم شىء غير مستغرب على الإطلاق، وأن الاتحاد كان قد وجه بالفعل تحذيرات سابقة للإمام حسن شلغومى مطالباً إياه بتبنى خطاب متوازن لأن خطابه الحالى من شأنه أن يستعدى التيارات الإسلامية المتشددة. يحدث هذا على خلفية قرار تغريم المنتقبات مبلغ 750 يورو فى حال تواجدهن فى الشارع الفرنسى، وأيضاً على خلفية ما صرح به الرئيس الفرنسى فى يونيو الماضى من أن النقاب غير مرحب به على أراضى الجمهورية الفرنسية. وقد أيدت الأغلبية المطلقة من نواب البرلمان الفرنسى فى حزب ساركوزى المنع الكامل للنقاب فى فرنسا. وما استند إليه الرئيس الفرنسى ونواب البرلمان هو أن النقاب بكل بساطة يمثل انتهاكاً لميثاق حقوق الإنسان الذى يحدد فى مادته الرابعة أن: «تغطية الوجه تمثل انتهاكاً للآخر»، وأن النظام العام وكرامة الإنسان وكرامة المرأة لا يمكن أن تسمح بملثمين. وقد تساءل الفرنسيون إن كان هذا القرار يضر بالديانة الإسلامية وتوصلوا إلى أنه لا يضر الإسلام، لأن النقاب أمر خلافى حتى بين الأئمة المسلمين. ما حدث فى مسجد «درانسى» يثير بضعة هموم، أولها هو أن الحادث يمثل إرهاباً إسلامياً إسلامياً حيث يمارس البعض نفياً ل«الآخر» حتى لو كان مسلماً و«إماماً»، ويقود الهم الأول إلى الهم/ السؤال الثانى: إن كان هذا هو حال المسلم مع المسلم فى إطار مجتمع ديمقراطى يؤكد على الليبرالية والتنوع الفكرى، فما بالنا بقدر النفى الذى يأتى من هؤلاء المتشددين تجاه من لا ينتمى للإسلام هناك أو هنا! وما هو قدر النفى والقمع الذى سيمارسه الإسلام السياسى تجاه باقى المسلمين والمنتمين إلى ديانات وتيارات فكرية أخرى لو أنه دخل الحكم؟ يحدث هذا الإرهاب بينما يفتقد العالم الإسلامى زعامات تؤمن بالتعددية ولا تنفى أى «آخر». يملأ دعاة اليوم الدنيا لغطاً حول توافه الأمور ولا يتطرقون إلى السؤال الحيوى للتعايش مع الآخر ومع أنفسنا كمسلمين. فبين انشغال كبار الأئمة بتحريم الاحتفال بالكريسماس وبعيد الحب وانشغال مؤسسة الأزهر بتأييد الحكومة وقراراتها تضيع الأسئلة المهمة: من يقود المسلمين الآن؟ وإلى أين نحن ذاهبون؟ هلا شغلتم أنفسكم بهذه الأسئلة وإن لم يكن الآن فمتى؟