بعد شهور من المنع والمحاكمة أصدر القضاء الأردنى قرارا بإسقاط التهم الموجهة لكتاب «انثيال الذاكرة – هذا ما حصل» وتبرئة مؤلفه الفلسطينى فتحى البس، وقال القرار إن الكتاب الذى يأخذ شكل السيرة الذاتية لا يخالف قانون المطبوعات والنشر. وقال البس إنه يأمل ألا يقوم مدير المطبوعات أو النائب العام باستئناف الحكم حتى يتمكن من توزيع كتابه فى الأردن. المحاكمة كانت قد بدأت فى سبتمبر الماضى بعد مذكرة من مدير دائرة المطبوعات والنشر، أحيلت إلى المدعى العام فى عمان غازى الشوبكى، الذى أصدر فى 11 سبتمبر 2008 قراراً جاء فيه أن فتحى خليل محمد البس صاحب دار الشروق للنشر والتوزيع ومؤلف كتاب «انثيال الذاكرة.. هذا ما حصل» قام بطباعة كتابه فى العاصمة اللبنانية بيروت ثم سعى لطرح عدد من النسخ فى السوق الثقافية الأردنية وبإطلاع دائرة المطبوعات والنشر على ذلك المؤلَّف تبين أنه يتضمن فى أكثر من موقع عبارات تتضمن إساءة إلى الجيش العربى الأردنى وقال إنه قام بقصف مخيمات الفلسطينيين، كما وصف المخابرات الأردنية بأنها تمارس أساليب التعذيب، كما تضمن الكتاب أيضا عبارات تثير النعرات الطائفية والفتنة بين أفراد الشعب و تمس بعض الشخصيات الأردنية، الأمر الذى يشكل مخالفة صريحة لأحكام قانون المطبوعات والنشر. وعلى مدى شهور شغلت القضية الأوساط القانونية والثقافية، حتى إن إحدى دور النشر التونسية عندما فكرت فى نشر الكتاب غيّرت عنوانه إلى «نكهة الذاكرة»، وفى معرض تفسيره للهدف من كتابه قال «البس» إن كتابه ليس بغرض الانتقام أو تصفية الحسابات من أحد. وأضاف، فى شهادة تلت نشر الكتاب: أردت منذ سنوات طويلة أن أكتب تجربة جيلى.. إنه جيل النكبة الذى عانى وكابد، وتمرد على قسوة الحياة وظروف اللجوء وحياة البؤس والتشرد والاقتلاع من أرضه وموطنه، وشق طريقه بإرادة متحدية لكل الصعاب، بما فى ذلك الصعوبات السياسية التى كانت تحول دون أن يعلن أنه متعلق بهويته الوطنية، نقيض المشروع الصهيونى. كتبت التجربة على شكل رواية، أوجعتنى فبكيت عندما أنهيتها عام 1988، وفى لحظة حزن عميقة مزقتها قائلاً لنفسى: إن شخصيات الرواية بشر من لحم ودم، حقيقية، ومن الظلم لها أن تقدَّم على أنها شخصيات خيالية من إبداع كاتب. بقيت التجربة حبيسة الصدر إلى أن وجدت نفسى بالصدفة أكتب عموداً فى جريدة «الحياة الجديدة» فى فلسطين بطلب من الصديق الراحل عايد عمر، ورئيس التحرير حافظ البرغوثى، وكنت أضع تحت المقالة عنوان بريدى الإلكترونى، وذات يوم جاءتنى رسالة من صديق قديم يقيم فى النرويج، وسألنى إن كنت أنا نفسى، فتحى، طالب الجامعة الأمريكية فى بيروت، الناشط فى فتح «الأصلية» كما وصف فى أوائل السبعينيات. رددت على رسالته على صفحات الحياة الجديدة مستذكراً أيامنا الأولى فى بيروت وفى حركة التحرير الوطنى الفلسطينى – فتح، ووجدتنى أكتب جملة ألزمتنى بدءا من اليوم التالى: «سأسمح لذاكرتى أن تنثال على صفحات الحياة الجديدة». كتبت حلقات انثيال الذاكرة دون تحضير مسبق، لكن ما كان حبيساً فى صدرى انطلق، وأخذ الشكل الصحيح: مذكرات، تروى تجربة الجيل وتنصف أبطال المرحلة، تجمع ما بين الشخصى والعام. فيها قصص الحب والحرب وقلق التحول الفكرى والأحداث التاريخية القاسية وترصد وقائع الصراع السياسى والعسكرى، وانعكاس ذلك كله على حياة إنسان واجه صدمة الانتقال الحضارى والفكرى والسياسى: أحب بلاده وأحب الوطن وقهرته الأيام لكنها لم تهزمه بعد. لأعترف: كنت أكتب بنفس الروائى، أحرص على وصف الحدث بلغة أردتها أن تكون رشيقة، بسيطة، واضحة، تتابع الأحداث فى حرص شديد على عدم الدخول فى تفاصيل تبعدنى عن سياق الرواية، وأعتقد أن كل حلقة من الانثيال كان يمكن أن تكون فصلاً فى رواية من عدة أجزاء، لذلك لم أفاجأ بما كتبه صديقى الناقد – الروائى إلياس خورى فى ملحق النهار: «أنه وجد نفسه فى الصفحات الأولى من الكتاب أمام مشروع رواية كبرى». انثيال الذاكرة، تجربتى، وتجربة جيلى، تبدأ من الولادة فى خيمة فى مخيم مروراً بالمنافى وتنتهى بعودتى إلى جزء من وطن حلمت به وأردته دائماً أن يكون حراً عربياً ومستقلاً. سأظل أحلم، وسأظل أريد.. لأن كل ما ورد فى الكتاب «حصل». سيرة ذاتية المؤلف: فتحى البس عدد الصفحات:352 الإصدار الأول 2008 الناشر: دار الشروق للنشر والتوزيع - بيروت