وكأنها تقول لعدد كبير من المواطنين المصريين إنهم درجة ثانية.. أو إنهم بلا «رئيس جمهورية»، وليس من حقهم متابعة أخباره وصوره ومقابلاته.. بل ليس من حقهم الاطمئنان على صحته وحالته بعد وفاة حفيده «محمد علاء مبارك».. والسبب أن هؤلاء المواطنين تجرأوا وتجاسروا واختاروا بإرادتهم الحرة قراءة الصحف المستقلة، وليس «القومية» التى تمتلكها وتديرها الحكومة!! أتحدث عن رئاسة الجمهورية.. وهذا حقى وحقكم.. إذ بدا أن كل شىء فى مصر تغيّر، ويتغيّر، أو يريد أن يتغيّر، ما عدا رئاسة الجمهورية.. فمنذ عشرات السنين تسمح «الرئاسة» لمندوبى الصحف القومية بمتابعة مقابلات وأخبار الرئيس وفق نظام محدد.. وقتها لم يكن فى مصر سوى صحف الحكومة.. وكان القارئ المسكين يقرؤها بمنطق غياب البديل.. ولكن الزمن تغيّر، وسمحت الدولة بصدور صحف مستقلة، وكان طبيعياً أن تحتدم المنافسة بين الصحافتين «القومية والمستقلة».. «الحكومية والخاصة».. اختر ما شئت من الأسماء.. وفى ذلك مصلحة للبلد والناس، والنظام الحاكم، وصناعة الصحافة نفسها. فتحت الدولة عقلها وقلبها لهذا الاختلاف.. ولولا الصحافة المستقلة لما تنفست مصر نسيم الحرية، ولما تبدلت الأحوال، ولما عمل كل مسؤول ألف حساب للرأى العام.. ولكن «رئاسة الجمهورية» أبت أن تتغير، ظلت على حالها، وأصرت على «احتكار أخبار وصور الرئيس» فى الصحف القومية.. ولمن لا يعلم، فإن «الرئاسة» هى التى ترسل الصور للصحف، وهى أيضاً التى تعتمد المراسلين والمندوبين للصحف، وهى التى ترفض دائماً اعتماد مراسل لصحيفة مستقلة، وهى أيضاً التى تحجب وتمنع الصور عن هذه الصحف، وكأنها تصدر فى بلد آخر له رئيس آخر يهم قارئاً آخر.. فهل تريد الرئاسة بذلك دعم الصحف القومية وتعزيز «الاحتكار».. أم أنها رسالة للصحف المستقلة «أنتم لستم منّا».. أم جمود فى الفكر، وأحادية فى النظرة، وإصرار على عدم التطور ومواكبة العصر؟! صور الرئيس وأخباره حق ل80 مليون مصرى.. والمنع والحجب ليس حقاً لرئاسة الجمهورية، فهو يتنافى مع خطاب النظام الحاكم بأننا نمتلك هامشاً ديمقراطياً كبيراً، بل إننا نعيش «أزهى عصور الديمقراطية»، كما يقول لنا صفوت الشريف دائماً.. فكيف تعاقب السلطة المواطن، لأنه اختار أن يقرأ الصحافة المستقلة.. كيف تقول له: إذا كنت تريد أخبار وصور الرئيس، أو ترغب حتى فى الاطمئنان عليه وهو يستأنف نشاطه بعد حداده على حفيده، عليك أن تذهب إلى «الصحف الحكومية»، وإلا فأنت «محروم» بأوامر عليا.. هل تدلّنا رئاسة الجمهورية على دولة واحدة فى العالم تفعل ذلك.. وهل تقول لنا كلاماً نفهمه، ومنطقاً مقبولاً لهذا «الحَجْر على الصحافة والمواطنين»؟! يا رئاسة الجمهورية الموقرة.. الصحافة المستقلة صحافة مصرية وطنية، وليس ذنبها أنها تنافس الصحف الحكومية بشرف ومهنية.. وليست جريمة أن تتفوق عليها.. ورئاسة الجمهورية جهة سيادية مستقلة نلجأ إليها حين تشتد المظالم، ونلوذ بها حَكَماً وطرفاً بلا مصلحة.. فكيف تظلم، وبأى منطق تتحول إلى خصم؟! هذا نداء حق، وعتاب مستحق.. فليس من مهام الصحفى المستقل أن يبكى على أعتاب الرئاسة ليغطى للقارئ أخبار وصور رئيس الجمهورية.. وليس منطقاً أن نتسول صور الرئاسة من الصحف المنافسة.. ونحن لن نفعل هذا ولا ذاك.. فمن يا ترى الخاسر؟! [email protected]