كنت أود مواصلة الكتابة فى قضية الأموال المصرية المطرودة من سوق الاستثمار، خاصة أن بعض الأصدقاء نبهونى إلى وجود جمعية سكندرية باسم «منتدى رائدى الأعمال» تتولى عملياً الكثير مما طرحته فى مقالات سابقة من مساعدة لشباب المستثمرين بالمشورة وعقد الشراكات وتبادل الخبرات بينهم. لكن أوباما سيأتينا قريباً، وما أسماه البعض بأنفلونزا أوباما، أو دهشة أوباما أو صدمة أوباما، يحتاج إلى بعض التعليق. قد لا يكون مناسباً الحديث عن سعادة مصرية بزيارة أوباما واختياره القاهرة مكاناً لبث رسالته إلى العالم الإسلامى منها. لكن يمكننا أن نتحدث عن غبطة، لدى النظام (الذى يحب الفخر) لأن الرئيس الأمريكى أعطاه شيئاً، ولو بعد تركيا. كما يمكننا أن نلمح الغبطة نفسها، لدى بعض الشباب ممن لا يعولون على الزيارة، لكنهم ينتظرون رمزاً من رموز التغيير فى العالم، ورمزاً من رموز قدرة الديمقراطية على تجديد نفسها، حتى لو كان معنى اختيار أوباما رئيساً لأمريكا أكبر كثيراً مما يمكن أن ينجزه على الصعيد العملى، خاصة فيما يتعلق بقضية السلام فى المنطقة. ومع كل ما يمكن أن يقال عما ينطوى عليه تعبير «العالم الإسلامى» من خطأ، حيث يقصد به وصف جماعات متباينة من البشر من أفغانستان إلى موريتانيا، فما يطرحه أوباما تجاه هذا العالم شديد التبسيط، ولا يتعدى كونه خطاب نوايا، يقول إن ساكن البيت الأبيض، لم يعد ينظر إلى كل مسلم بوصفه إرهابياً إلى أن يثبت العكس، وأن أمريكا ستكف عن تعذيب ما يقع بأيديها من المتهمين بالإرهاب. وهذا الذى يطرحه أوباما، هو الحد الأدنى الذى يجب أن يسود العلاقات بين الشعوب والأديان، ولكن الجنون الذى طبع السنوات الثمانى من حكم بوش الابن، جعل العودة إلى هذه البديهيات حدثاً يستحق الفرح، على الرغم من استمرار الرغبة الأمريكية فى السيطرة على العالم، وإبقاء الأحادية القطبية ما أمكن من الوقت. ليس هناك تغيير فى جوهر الهيمنة؛ بل فى شكلها؛ فليس هناك تغيير عملى فى خطط الجيش الأمريكى بالعراق أو أفغانستان، ولا فى سياسة اصطناع الأحلاف وإنشاء القواعد العسكرية الخارجية. فقط ستختفى قبضة الرجال البيض الأغبياء فى قفاز من التجديد وجد تعبيره الأمثل فى وجه أوباما، بكل ما تمثله هويته المتعددة المصادر. وإذا كان الخطاب أو إعلان النوايا يخص العالم الإسلامى كله، فمن الطبيعى أن تأخذ قضية السلام فى المنطقة العربية نصيبها من حديث أوباما. هذا الفرع ليس أقل عرضة للتعميم والتسويف من الأصل؛ أى العلاقات مع العالم الإسلامى. وربما كان هذا الفرع، الذى يهمنا كعرب، أسوأ حظاً من الملف الإسلامى. لاختلاف الأطراف الفاعلة فى كل من الملفين. فى الملفين هناك الطرف الأمريكى ومصالحه وحدود مرونته بناء على هذه المصالح، بينما الطرف الآخر (الإسلامى) يضم قوى من خارج العالم العربى بينها الحليف الخطر مثل باكستان، والعدو الخطر مثل إيران، والحليف الذى يتطلب الحذر مثل تركيا. فى الملف العربى هناك حدود الرغبة الأمريكية، وتنويعة من الدول العربية تتفق فى جوهرها، على الرغم من كل الاختلافات الظاهرية بينها، وهناك بالإضافة إلى ذلك طرف ثالث هو إسرائيل، وهو الأكثر أهمية فى الترسيمة الثلاثية. قد يأمل أوباما فى سلام حقيقى يوقف حالة تفريخ اليأس فى المنطقة (الذى يفرخ بدوره الإرهابيين والجماعات الراديكالية) وقد يأمل فى تبنى المبادرة العربية، وهى متواضعة الطموحات ولا شىء تعجيزى فيها، لكن إسرائيل لم تعد تأمل فى أى حديث عن وضع القدس التى تريدها كاملة. الباطل الإسرائيلى لديه القوة التى تحميه، إن لم تفرضه كأمر قانونى بجوار الأمر الواقع، فإنها تعطل أى أمل فى الحل. والحق العربى لا يجد القوة التى تحميه، بعد أن تآكل النظام العربى، ووصل إلى الشلل التام مع حرب غزة، ولم تكن تقسيمة الموافقة والممانعة سوى محاولة لتمويه انعدام القدرة على الفعل لدى الجانبين. وقد وجد تآكل النظام العربى تعبيره الواضح فى اجتماعات القمة الدورية والطارئة، حيث لم يعد يتبقى من ذلك النظام إلا كرنفال الأزياء واللهجات وعثرات القراءة لكلمات تتشابه فى خلوها من المعنى. الاتفاق بين أعضاء النظام العربى لا يقتصر على انعدام الخيارات فى قضيتهم المركزية (الصراع مع الاحتلال الصهيونى والأمريكى) بل يشمل غياب حقوق الإنسان والديمقراطية والانغماس فى الاقتصاديات الريعية واقتصاديات السمسرة. وكل هذا الاتفاق لا يجعل من عرب اليوم شريكاً فى أى تسوية؛ فالسلام يحتاج إلى قوة غير موجودة. ولذلك لا يمكن أن نأمل من نتائج لزيارة أوباما أكثر من تحقيق فرحة الصائمين عن الفعل بيوم لقائه، وفرحة الصائمين عن الحلم بمشاهدة نظام سياسى مختلف، يتجلى فى صورة ابن مهاجر أفريقى وجد مكانه على مقعد الرئاسة الأمريكية.