أطول طابور انتظار أمام دار عرض الصحافة اليومية فى مهرجان فينسيا السينمائى هذا العام كان من ألف صحفى وناقد ويزيد، لمشاهدة الفيلم البرتغالى «لوحة ساو فيسينتى دى فورا: رؤية شعرية» أحدث أفلام فنان السينما البرتغالى العالمى الكبير مانويل دى أولفيرا الذى بلغ المائة من عمره عام 2008، وأصبح أول فنان يواصل الإبداع بعد سن المائة فى تاريخ السينما، وربما فى تاريخ كل الفنون. وما إن دخل دى أولفيرا القاعة مع ماركو موللر مدير المهرجان، وقبل أن يتم تقديمه، حتى وقف الجميع يصفقون عشر دقائق متواصلة، وظل الرجل طوال هذه الدقائق يرد التحية بكلتا يديه، ويطلب من محبيه الجلوس، وهو يبتسم ابتسامة عريضة تزداد مع الوقت، كما يزداد احمرار وجهه من الخجل. الفيلم روائى فى 16 دقيقة عن لوحة من القرن السادس عشر الميلادى للرسام نيونو جونسايفيس، وهى من أكثر اللوحات شهرة وغموضاً فى تاريخ الفن البرتغالى ومن رموز البرتغال الفنية الكبرى، حيث كان تكوينها ومعناها -ولايزالان- موضوعاً للجدل والنقاش،. ودى أولفيرا ليس مخرجاً وكاتباً للأفلام فقط، وإنما أيضاً رسام ونحات وشاعر وفوتوغرافى، والفيلم من إنتاج متحف العاصمة البرتغالية لشبونة، وكان مدير المتحف وطاقم الفيلم حاضرين مع الفنان فى العرض. اللوحة فريدة من نوعها بالفعل، فهى مكونة من 6 لوحات فى 6 إطارات متساوية الطول ومختلفة فى العرض، فلوحتا الوسط كبيرتان ولهما الحجم نفسه، وفيهما الشخصيات نفسها مع اختلاف الزاوية، حيث يتلقى الأمير هنرى البحار البركة من ساو فيسينتى الذى يمسك بالكتاب المقدس، وبينما الكتاب مغلق فى اللوحة اليسرى، نراه مفتوحاً فى اليمنى، واللوحات الأربع الأخرى على يسار ويمين اللوحتين «تفاصيل» من اللوحتين الكبيرتين، إنها لوحة فيلم من لقطتين فى منظر عام لفتح الكتاب مع 4 لقطات أخرى من المناظر الكبيرة (الكلوز أب). يتأمل دى أولفيرا اللوحة فى تعليق على شريط الصوت، وتخرج منها شخصياتها الواحدة بعد الأخرى لتتجسد أمامنا بنفس الأزياء والمكياج والأشياء التى تحملها: الحكام والرهبان والجنود، والشباب والعجائز والأطفال، واليهود والمسيحيون والمسلمون، ثم الفقير، وتحاول كل شخصية أن تفسر لماذا رسمها الرسام على هذا النحو أو ذاك، والفقير حسب تعليق دى أولفيرا هو الموضوع الرئيسى منذ ذلك الحين، وحتى زماننا الراهن: زمان الأزمة الاقتصادية العالمية الجديدة. اللوحة عن عصر «الاكتشافات» الأوروبية لما عرف بالأمريكتين، وهى الرحلات البحرية التى قام بها البرتغاليون ومولها الإسبان وانتهت إلى معرفة كل مناطق الأرض، ويقول دى أولفيرا فى نهاية الفيلم إن هذه «الاكتشافات» تعنى أن يعرف كل الناس من كل الأعراق بعضهم البعض، وإنهم جميعاً يعيشون على الأرض نفسها، وينتمون إلى الأصل نفسه، وفى الدقيقة الأخيرة تدخل فرقة موسيقى شعبية تعزف من أجل السلام. [email protected]