من الطبيعى أن يحسب للكوارث ألف حساب، وتوضع الخطط، وتجهز الاحتياطات، لمنع حدوثها أوالتقليل من خطرها إذا وقعت لا قدر الله، وكم من أجهزة فى دول تحت سماء هذه الدنيا مهمتها توقع كل صغيرة وكبيرة، لوضع الخطط المواجهة للمخاطر قبل وقوعها، لذلك فقلما نجد فى مثل هذه الدول، ومن خلال هذه الأجهزة، كوارث كتلك التى تقع عندنا. ولعموم العشوائية وغياب التخطيط وغرق أهل الخبرة فى مستنقع التجاهل، تتحول الكوارث فى بلدنا إلى عادة، وردود الأفعال إلى مجرد لطم للخدود وصرخات وتبادل اتهامات ولجان واستجوابات والذى منه، وبالتإلى، فلا عجب فى أن تتلوالكارثة الكارثة، وتحل علينا الأخطار رغم توقعها، ولا عجب فى أن تتكرر حادثة قطار العياط مرة فى عام 2002 وأخرى هذه الأيام. والحكاية التالية دليل على أن الكوارث قد تصنع أحياناً مع سبق الإصرار والترصد، قال لى أحد فلاحى محافظة القليوبية: أنا خائف، إن محافظتنا على أبواب كارثة جديدة. واستطرد قائلاً: «لتدارك خطر السحابة السوداء، والحفاظ على البيئة، واستثمار المخلفات الزراعية فى إنتاج أسمدة عضوية، قررت الحكومة وقف حرق قش الأرز فوق أرضه، عن طريق جمعه من الفلاحين وتشوينه وإعادة تدويره لإخراجه فى صورة سماد يستفيد منه الفلاح، لكن هل يعقل أن تولد الأفكار النيرة وترعى حتى تخرج نموذجية فى صورة مشروع ينفع الناس؟ بالطبع لا، فعندنا دائماً، الأفكار شىء، وآليات تنفيذها شىء آخر، ما يكتب على الورق يختلف تماماً عما يخرج للنور، فبعد جمع القش من الفلاحين يتم رفعه عن طريق لوادر ليوضع بغير نظام، وبكميات ضخمة فوق مقطورات تسحبها جرارات زراعية، هذه الجبال المتحركة بمجرد شروعها فى عملية السير يتساقط منها القش تدريجياً، فوق الأراضى الزراعية، وعلى الجسور، مما يدفع الفلاحين - حرصاً على أراضيهم - إلى لملمته ثانية، وحرقه على الأرض وكأنك يا أبوزيد ما غزيت. والأخطر من كل ذلك المكان الذى يتم فيه تشوين القش، الموجود بقرية سندنهور القريبة من بنها، والذى لا تزيد مساحته على خمسة أفدنة تقريباً، ويصاب المرء بالفزع من الكمية الموجودة فى مثل هذه المساحة المحدودة، يصاب المرء بالفزع، لتوسط هذه الشونة كتلاً سكنية رهيبة، ومرافق حيوية لا يستهان بها، منها على سبيل المثال: خمس مدارس لمراحل التعليم المختلفة، بنك التنمية والائتمان الزراعى، الوحدة المحلية، سنترال آلى، مكتب تموين، شونة أسمدة، والبورصة الرئيسية للدواجن بالقليوبية. انتهى كلام الرجل، وتزاحمت فى رأسى أسئلة لا حصر لها: ما سبب الإصرار على تشوين القش وسط الكتل السكنية والمرافق الحيوية؟ ماذا لواشتعلت النيران فى أكوام القش المتراصة؟ ومن سيدفع ثمن الخسائر التى قد تقع؟ وإلى متى يتم غض الطرف عن الأخطار؟ ولمصلحة من؟ جراح القليوبيين لم يتم تضميدها بعد، ودموعهم لم تجف، وآثار الكوارث لاتزال الأوضح فى عيونهم، ومع ذلك، أظنهم الآن على أبواب كارثة جديدة، فهل هناك حياة لمن أنادى؟