هاجمت جماعة الإخوان المسلمين وسائل الإعلام الأسبوع قبل الماضى، عندما اندلعت أزمة المرشد وعصام العريان مع مكتب الإرشاد، وخرجت التصريحات النارية من قيادات الجماعة تصف الإعلام بأشنع الأوصاف، التى كان من بينها العمل لصالح الأجهزة الأمنية والحزب الوطنى، وفى الأسبوع الماضى هاجم المهندس أحمد عز، أمين التنظيم فى الحزب الوطنى، فى مؤتمر حزبه السنوى، وسائل الإعلام أيضاً ووصف الإعلام أيضاً بأوصاف لا تقل عن وصف الجماعة، من بينها العمل لصالح المعارضة وجماعة الإخوان المحظورة! وهو ما يعنى أن الحزب والجماعة اجتمعا، وهما الضدان الشهيران على قلب رجل واحد فى الهجوم على الإعلام، وبالتحديد على الصحف والبرامج التليفزيونية الإخبارية، التى يتهمهما كل منهما بأنها تعمل لصالح كل منهما فى وقت واحد ولا أدرى كيف؟ والحقيقة أن هذا الهجوم من كليهما يؤكد حيادية هذا الإعلام الذى يجعل ولاءه فقط للمعلومة، التى هى من حق القارئ أو المشاهد، وأن أحداً لا يعمل فى المجمل لصالح هذا أو ذاك بعيداً عن التجاوزات الصغيرة الحادثة فى بعض الأحيان التى لا أنكرها بدورى وبصفتى أحد العاملين فى الإعلام، سواء صحفياً أو تليفزيونياً، كما أن دلالة هذا الهجوم هى نجاح تجربة الإعلام المستقل صاحب التجربة الجديدة التى لم تتعد سنوات قليلة فى تحريك مياه الحياة السياسية الراكدة، التى ظلت لعقود طويلة أسيرة الاحتواء والتبلد والموت البطىء ليعكس الإعلام والإعلام فقط حجم التحولات، التى حدثت بفضله نتيجة التفاعل الذى أحدثته وسائل الإعلام داخل هذه الكيانات التى كادت تموت لولا الولادة العملاقة للإعلام المستقل. وأستغرب شخصياً من هجوم الإخوان والحزب الوطنى على هذا الإعلام ورجاله، لأننى أعلم مدى التودد الذى يتعامل به قيادات الجانبين للصحفيين فى هذه الوسائل الإعلامية التى هاجمها كل منهما. فإذا كان المهندس أحمد عز قد نجح فى أن يجعل من الإعلام خصماً له وللحزب الوطنى فى آن واحد أثناء المؤتمر رغم رجاء الرجل الدائم للإعلام بأن يكتب عن إنجازاته الوهمية والإيعاز الدائم بأنه نسف الحمام القديم للحزب الوطنى فى إشارة إلى الحرس القديم أمثال كمال الشاذلى ويوسف والى وتقليص نفوذ صفوت الشريف. وإذا كان الإخوان قد نجحوا فى استعداء الإعلام بالنعت الدائم له بأنه علمانى، ويسيطر عليه الوصوليون والأمنيون والانتهازيون كما قال محمود غزلان فى رسالته إلى الدكتور يوسف القرضاوى فى وصفه لمعظم من يسيطر على الإعلام فى الوقت الذى كانت فيه الجماعة قبل خمس سنوات تتمنى أن تجد خبراً لها أو عنها فى أى صحيفة فى العالم على اعتبار أن الانتشار الإعلامى لها يساعد فى أمور الدعوة. الآن يشتكى الحزب الوطنى والجماعة لأن كلاً منهما يزعم أن ما يدور بداخلهما شأن داخلى، وأن الإعلام دائم الترصد لكل ما يدور بالداخل سواء فى أمانة السياسات أو مكتب الإرشاد، والحقيقة أن ما يقوله الجانبان يخالف شروط اللعبة، وهى لعبة العمل العام إن جاز التعبير، والشروط تقول إن من يطلب أن نكتب عن الإنجازات والقدسية يجب عليه أن يتحمل الكتابة عن المشاكل والخلافات والأسرار الداخلية، والشروط تقول أيضاً بكل صراحة لا ينبغى لك أن توافق على شىء فى صالحك وترفض آخر فى صالح غيرك، هذا هو الحال، فإذا أراد أحمد عز والحزب الوطنى ألا يكتب الإعلام عنه فالأمر سهل ويسير، وهو أن يجلس فى البيت هو وحزبه ولا يشارك فى العمل العام، ونفس الشىء مع الجماعة إذا أرادت ألا نكتب عنها شيئاً عليها أن تحل مكتب الإرشاد ولا نرى لها أى تواجد سياسى من مظاهرات وفعاليات. والخلاصة أن الإعلام الملاكى الذى يريده الجانبان لم يعد له وجود سوى فى صحف بعينها ليس من بينها الإعلام المستقل، لأن هذا الإعلام فى طريقه للنضوج الكامل، ولن يستطيع أحد مهما كان حجمه أو نفوذه أن يثنيه عن حقه فى الحصول على المعلومات التى يكتسب بها القارئ فقط، التى تساهم فى نمو المعرفة والعلم لديه ولدى المجتمع، ولن يقبل الوصاية عليه من أحد، ولن ترهبه أى رصاصات طائشة من هذا أو ذاك، لأن سياسات الاحتواء والخوف والإرهاب لم تعد تجدى نفعاً، لأن الإعلام يأتى بالحرية والحرية تأتى بالإعلام، وعجلة التطور الإعلامى قد دارت رحاها، ولن يوقفها أحد، حتى لو كان أحمد عز أو مرشد الإخوان، مع الاحترام والتقدير لشخصيهما!