شخصية كاسحة، تدعى علما بالغيب، وتتحدث عن «خبرات» غير مسبوقة و«معارف» فى كل اتجاه، هذا هو «الشيخ» صاحب «السر الباتع» كما صورته السينما وحكت عنه الجدات. كان رجلا على الدوام، ونصائحه جزء من لعبة «القضاء والقدر»، الجهل منطقة نفوذه الرئيسية، واليائسون ضحاياه الأوائل، تتحدث الجدات عن «عقد» انحلت بفضل «البركة» ويروين حكايات خرافية عن «حجاب المحبة» الذى يجمع رأسين تأخر أحدهما قليلا عن سن «الحلال». لم يختلف «أصحاب الكرامات» جميعهم يتحدثون بيقين المطلع على «الأسرار» والعالم «بما فى الكتب»، ولكن لأن الزمن غير الزمن، وفوبيا العنوسة أصبحت تربك حسابات الفتيات، كان لابد وأن يظهر «صاحب كرامة» من نوع جديد، هذه المرة لا يطلق البخور، ولا يتمتم بكلمات غامضة، لا يتحدث عن «الأعمال والعقد» ولا يطلب «وهبة» ولا يؤمن ب«الأتر»، النوع الجديد يرسم طريقا أقل إثارة وأكثر قبولا، تعليمات مستقاه من فقه البداوة كما سماه الشيخ الغزالى، و«وصفات» تقرب البعيد، وتزيح شبح العنوسة بعيدا عن أعين الفتيات. فى رحلة البحث عن «النصيب» يكون النقاب طريقا ضمن عدة طرق.البعض يفضل «زواجا عبر النقاب» لأنه فى النهاية ومقارنة بوسائل أخرى للحصول على «الحلال» يبدو النقاب أقل تكلفة من أدوات التجميل وأقرب للموضة القادمة من الخليج. فى حى الهرم قابلناها، فتاة جميلة بالكاد فارقت عامها الخامس والعشرين، محجبة، خريجة جامعة، تقول عن نفسها: «لم يتقدم أحد لخطبتى حتى الآن، وكل يوم أسمع حكايات عن انتشار العنوسة»، الفتاة الجامعية التى رفضت نشر اسمها لم تكن مشغولة ب«العريس» لكن «الزن» جعلها تفكر فى الأمر بطريقة أخرى. فى طريقها للمسجد الذى يبعد عن منزلها نحو 100 متر فقط كانت الفتاة الجامعية تتحدث مع عدد من «صديقات المسجد»، سألنها ألا تغادر المكان فور انتهاء الصلاة، أخبرنها بأن شيخا «مهما» يدعى أحمد، يحاضر الفتيات فى المسجد بعد الصلاة، فذهبت معهن ربما يكون عند «الشيخ المهم» شىء لم تسمعه من قبل. فى الدرس تعرفت الفتاة على «الشيخ الجديد» وجدته شابا صغير السن وسيم الوجه، لعله لم يتجاوز الثلاثين بعد، اندهشت وسألت «صديقات المسجد» فأخبرنها بأنه «علامة رغم صغر سنه» جلست لتسمع حديث «العلامة»، لم يكن الدرس بعيدا عما تشعر به من شبح العنوسة، فالشيخ الذى يفضل أن تطلق عليه الفتيات لفظ داعية تحدث قائلا: «جسد المرأة كله عورة، حتى الوجه والكفان.. على المرأة أن تستر جسدها كاملا لأنه عورة ولايكون الستر تامًا إلا بالنقاب، لذلك فهو فريضة»، يتابع الداعية: «أنا غير متزوج، وأرفض عروضا أسرية لتزويجى من فتيات محجبات، لأننى لست على استعداد لأن أتزوج فتاة لا تؤدى فرض الله فى النقاب، وليعلم الجميع أن الشباب الملتزم هو الوحيد الذى يسعى للزواج، والرجل الصالح لن يتزوج فتاة حد شاف وشها قبل كدا، فأنا مثلاً لن أتزوج فتاة محجبة وأحاول إقناعها بالنقاب، لأن هذه مضيعة لوقت من الممكن أن أستغله فى عملى أو تربية أولادى». انتهى الدرس، وكلمات مثل النقاب والفريضة والستر والزواج ترن فى أذن الفتاة الجامعية، طوال أسبوع ظلت تقلب الأمر مع نفسها، كانت تعرف أن أمها وخالاتها تزوجن دون نقاب وأحيانا دون حجاب، لكن الشيخ الأعزب بدا وكأنه ابن هذا الزمن ويعرف «سر الخلطة»، فى النهاية حسمت القضية وقررت بحنكة «بنت البلد (أن ترتدى النقاب) يوم الجمعة بس.. عشان الشيخ».