تسعى الحكومة المصرية إلى تهجير أهالى نزلة السمان من المنطقة التى عاشوا فيها منذ أجيال، إلى مناطق أخرى يقال إنها فى محافظة أكتوبر، بعد أن انتهت من بناء جدار عازل بين الأهرامات ومنطقة نزلة السمان بطول 20 كيلومتراً وفقا لما نشره الموقع الإلكترونى لجريدة «اليوم السابع». ومع انتهاء مشروع وزارة الثقافة لتطوير المنطقة فإن أكثر من ربع مليون مواطن يعيشون على تقديم الخدمات للسائحين هناك- عبر أكثر من مائتين وأربعين بازاراً، ومئات من المطاعم والمقاهى- سوف تنضم إلى جيوش العاطلين. ووفقا للتحقيق الصحفى الممتاز الذى نشرته «أخبار اليوم» فى 28 نوفمبر الماضى، فإن مشروع تطوير منطقة الأهرام الذى يشرف عليه وزير الثقافة ونائبه د.زاهى حواس سينقل مدخل المنطقة إلى طريق مصر- الفيوم الأمر الذى سيؤدى إلى إعاقة المرور بميدان الرماية من ناحية ويزيد مسافة الرحلة إلى الأهرامات 12 كيلومتراً من ناحية أخرى، إلى جانب أن ذلك المشروع سوف يستبدل الجمال والخيول وعربات السندكار التقليدية، والتى تعتبر معلما يضاهى الأهرام فى الشهرة، بقطار كهربائى ينقل السائحين فى جولة حول الهرم يعودون بعدها إلى فنادقهم دون أن ينفقوا مليما واحدا!!. دعونا نسلم أولا بأن تطوير منطقة الأهرامات أصبح ضرورة بعدما زاد التعدى عليها نتيجة الزحف العمرانى الذى امتد تدريجيا ليلاصق الأثر الذى يتعين أن يحيط به حرم آمن يبرز جماله ويحافظ على سلامته. ودعونا نتفق ثانيا على أن المعايير الدولية المتفق عليها تؤكد أن عمليات التطوير– أى تطوير- لابد أن تأخذ مصالح سكان المنطقة فى الاعتبار، وأن أى تطوير لا يكون من ضمن أهدافه– بل فى القلب منها – تحسين الوضع الاجتماعى والاقتصادى للبشر هو تطوير مشكوك فى سلامة نية القائمين عليه، ولا يتعين المضى فيه مهما كانت مزاياه. ولنعترف ثالثا بأن الدخل الأهم لقطاع السياحة لا يأتى مما يدفعه السائح لقاء قدومه إلى مصر بقدر ما يكون فيما ينفقه أثناء وجوده فيها شراء لبضائع أو خدمات. وأخيرا فإنه لا يمكن أن ننكر أن السائح الذى يزور منطقة الأهرامات هو سائح ذو طبيعة مختلفة فهو يريد ليس فقط أن يستمتع بالأثر ويعاينه بقدر ما يهدف إلى الاستمتاع بالبيئة المحيطة به وعيش تجربة حياة مختلفة، وهو ما توفره له منطقة نزلة السمان بمقاهيها ومنازلها ومطاعمها. لو أخذنا كل ذلك فى الاعتبار لاكتشفنا إلى أى حد يمكن أن يكون مشروع تطوير منطقة الأهرامات كارثة على السياحة والاقتصاد بدلا من أن يكون مفيدا لهما. من المهم فى تقديرى إعادة الاعتبار إلى الاقتراح الذى كان نواب المنطقة قد قدموه إلى أمين عام المجلس الأعلى للآثار منذ سنوات، والذى يقضى بفصل المنطقة السكنية عن المنطقة الأثرية عبر طريق يبلغ عرضه أربعين مترا، وهو ما يساعد على تطوير البيئة المحيطة بالأهرامات وتحويلها بالكامل إلى ظهير حضارى منظم، يقدم خدماته إلى زوار المنطقة من السائحين المصريين والأجانب. من المهم أيضا أن يتم تشكيل لجنة من خبراء تخطيط المدن والاقتصاد إلى جانب خبراء من المجلس الأعلى للآثار، لإعادة دراسة وبحث الآثار المرورية والاقتصادية التى ستنجم عن نقل مدخل منطقة الأهرامات من موقعه الحالى إلى الموقع المٌقترح. كما يتعين على البرلمان أن يشكل بعثة لتقصى الحقائق حول مشروع التطوير برمته وتكلفته، وطرق إنفاق اعتماداته، وآثاره على المنطقة وعلى سكانها، وكيف يمكن التوفيق بين مقتضيات حماية الآثار، وتطوير الواقع الثقافى والاجتماعى للبيئة المحيطة بها، ليكون جزءاً من المنظر العام للآثار وليس جسما غريبا عنها. ويبقى على وزارة الثقافة أن تبدأ فى شرح أفكارها حول تطوير المنطقة لسكان نزلة السمان وأن تشركهم معها فى عملية التطوير، وهو أمر يسير لو قام وزير الثقافة أو نائبه بعقد جلسات استماع لأهالى المنطقة والعاملين فيها حول اقتراحاتهم ورغباتهم، وأفكارهم لعملية التطوير، فهم ربما كانوا أكثر من الوزارة اهتماما بالأهرامات باعتبار أن وجودها وسلامتها، مرتبطة برخائهم واستقرارهم. أما السور الذى اعتقل خلفه المجلس الأعلى للآثار أبوالهول والأهرامات فينبغى هدمه فورا أيا ما كانت تكلفته، فهو من ناحية يشوه المنظر الجمالى المفتوح للأهرامات وأبوالهول، ومن ناحيه أخرى يعطى انطباعا بأن ثقافة الاعتقال فى مصر قد طالت الحجر بعد أن انتهت من البشر.