حذرت مسودة التقرير الثالث للجنة الشفافية والنزاهة، التابعة لوزارة التنمية الإدارية، من تأثير الفساد على التنمية، وقالت إن الفساد لا يجعل لجهود التنمية أثراً ملموساً، ويخلق بيئة غير آمنة للمواطن، ويهدد كرامته، ويضعف من ولائه للوطن. وأرجعت مسودة التقرير- التى حصلت «المصرى اليوم» على نسخة منها - تصاعد آثار الفساد إلى إخفاق الحكومة فى حماية المواطنين. ويحدد التقرير خطورة الفساد فى احتمائه بالسلطة والنفوذ، لينتقل من صورته المستترة إلى أخرى علنية. وكشف أحد أعضاء اللجنة عن إمكانية إجراء تغييرات جذرية على التقرير، خلال الاجتماع المزمع عقده يوم 28 فبراير الجارى، بعد أن شهد التقرير جدلاً واسعاً بين أعضاء اللجنة، وبينهم الوزير الدكتور أحمد درويش، بسبب عدم دقة المعلومات والأرقام. وقال عضو اللجنة، الذى فضل عدم ذكر اسمه، إن أعضاء اللجنة أبدوا استياءهم من التقرير، ووصفوه بأنه «ضعيف»، وتم تدوينه بصورة إنشائية من جانب الدكتورة غادة موسى، مقررة اللجنة. ويحيط الغموض بإمكانية خروج التقرير الثالث إلى النور، فى ظل ضيق وقت أعضاء اللجنة لإعداد تقرير بديل، بالإضافة إلى إمكانية حل اللجنة فى المرحلة المقبلة، للمواءمة مع توقيع مصر على اتفاقية مكافحة الفساد التابعة للأمم المتحدة خلال مؤتمر الدوحة، التى تلزم مصر بتشكيل لجنة قومية بعيدة عن أى تمثيل حكومى. ومن هذا المنطلق أصبح أمام اللجنة خياران: إما الإبقاء عليها مع انسحاب الوزير درويش بصفته ممثلاً للحكومة، أو حل اللجنة وتشكيل لجنة أخرى. ويرصد التقرير تكلفة الفساد عالمياً من خلال تقرير للبنك الدولى، وقال إنها تبلغ 100 مليار دولار، منها 2.5 مليار جنيه فى مصر، وفق تقارير الجهاز المركزى للمحاسبات، أما المبالغ المرصودة من الشكاوى المرسلة إلى لجنة الشفافية خلال عامى 2008/2009 فبلغت حوالى 3 مليارات جنيه. وترصد اللجنة فى تقريرها وضع مصر فى مؤشرات الحكم الرشيد وغيرها من المؤشرات التى تمثل خطوة فى الطريق للحد من الفساد، خاصة مؤشر «دافعى الرشاوى» لعام 2009، وجاء قطاع التسجيل وتقديم الخدمات الأكثر طلباً للرشاوى. وأشار التقرير إلى أن موقف مصر فى مؤشرات الحكم الجيد، والحرية الاقتصادية، والموازنة المفتوحة، ودفع الرشاوى، يقود إلى مؤشر وضعه «الصندوق من أجل السلام بمركز السياسات الخارجية بالولايات المتحدة» ويسمى «الدول فى خطر»، وهو مؤشر يضم الدول التى عجزت عن الوفاء بالشروط والمسؤوليات الرئيسية لحكومة سيادية. ودخلت مصر ضمن مؤشر «الدول فى خطر» منذ 2005، وحصلت على درجات تسمى فى المؤشر درجة «التحذير» وهى درجة تسبق «الخطر». وتشارك مصر 9 دول عربية أخرى فى المؤشر لها ذات الوضع الحرج، ضمن 60 دولة من العالم الثالث. ويتناول الجزء الثانى من التقرير تعديلات مقترحة فى القوانين الحالية، وخاصة «الحماية القانونية للمبلغين والشهود» فى قضايا الرشوة والفساد واستغلال النفوذ على المستوى الداخلى وجرائم الإرهاب وغسل الأموال على المستوى الدولى. وانتقد التقرير تجاهل المشرع المصرى حقوق الشاهد عند أداء الشهادة فى المادة 112 من قانون الإجراءات الجنائية، التى تجبره على بيان اسمه ولقبه وسنه وصناعته وسكنه، وتمكن هذه البيانات المجرم بعد ذلك من ملاحقة الشاهد والانتقام منه. ويتناول التقرير المعوقات القائمة أمام وضع برنامج متكامل لحماية الشهود المبلغين فى التشريع المصرى، وأبرزها الطابع السياسى، حين يتعلق الإبلاغ بتضارب المصالح وتورط أصحاب النفوذ. ويقترح التقرير مشروعات قوانين جديدة منها نظام المفوض العام وقانون الوظيفة العامة. وتتضمن اختصاصات المفوض العام الاستماع إلى الشكاوى ووضع خيارات لتسويتها، ويراعى عدم ذكر أسماء الشاكين دون إذن صريح منهم، ويتوسط بين الموظف والمشرف على الإدارة العليا، ويعد المفوض تقريراً سنوياً يتضمن الشكاوى والمظالم التى تعامل معها دون ذكر أسماء الشاكين. ولفت التقرير إلى أن المفوض العام سيتم اختياره من قبل مستشارين وخبراء رسميين بشكل مشترك، إما من خلال البرلمان أو أعلى سلطة فى الدولة، ويعين لمدة عدد من السنوات قابلة للتجديد لمرة واحدة، ولا يتلقى أى رسوم إدارية. ولا يجوز إنهاء خدمة المفوض العام أو إلغاء دوره أو مكتبه إلا لأسباب تتعلق بالشاكى أو إفشاء أسراره. ويؤكد التقرير أن القانون 47 لسنة 78 للعاملين بالجهاز الإدارى للدولة، صدر فى ظروف مغايرة لأوضاع مصر الراهنة ومشكلاتها المستحدثة، بالإضافة لشيوع الإهمال والفساد الإدارى وانتشار الرشوة، الأمر الذى أدى إلى إفراز الجهاز الحكومى نحو 70 ألف قضية انحراف ومخالفات مالية، وكذا جرائم جنائية تصل إلى 10 آلاف قضية منها 1300 قضية اختلاس للمال العام، و5 آلاف قضية إهمال جسيم، وأخيراً 3 آلاف قضية رشوة. ويطالب التقرير بمكافحة الفساد عن طريق تحقيق الكفاءة الإدارية والتطوير المؤسسى. ويقول التقرير على لسان عالم الاجتماع «ماكس فيبر» إن لدى مصر أقدم نظام بيروقراطى منذ عام 1952، بوجود 3 وزارات و290 مؤسسة فرعية، و2 مليون موظف فى الهيئات الإدارية، و3 ملايين موظف فى الإدارات المحلية، و470 ألف موظف فى أجهزة الخدمة العامة، و350 ألفاً فى الكيانات الاقتصادية، ليصل عدد موظفى الجهاز الإدارى إلى 5.7 مليون موظف. وتؤثر زيادة عدد الموظفين بالسلب على مستويات الأجور وتؤثر بشكل أخطر على الأداء. ويرصد الجزء الرابع دور البحث العلمى فى التعرف على قيم الشفافية والنزاهة عند المصريين ونبع هذا الاهتمام من عدد من الاعتبارات منها أن قضايا النزاهة والفساد ترتبط ارتباطاً كبيراً بمنظومة القيم السائدة، وأن تفكك القيم واضمحلال الضمير الجمعى يؤديان إلى تدهور قيم النزاهة والشفافية وسيادة الفساد، والإيمان بأن السياسات الاجتماعية لابد أن تقوم على براهين وبيانات واقعية ترتبط بالواقع، فالسياسات التى تعتمد على البراهين Evidence-Based Policies تكون أكثر كفاءة وأكثر قابلية للنجاح، والتواصل مع الجهود العالمية التى تعتمد على الأسلوب العلمى، ومن ثم فتح آفاق لتحقيق الثقة والتواصل على المستوى العالمى، والمساهمة فى تأسيس ثقافة جديدة فى المجتمع المصرى، ثقافة تعتمد على الثقة فى استطلاعات الرأى والمسوح الاجتماعية، والإعلاء من شأن التفكير العلمى فى القضايا الاجتماعية. ويشير الجزء الخامس «الإعلام ودوره فى الحد من مكافحة الفساد» إلى أن محاربة الفساد تتحقق بوجود وسائل إعلام نزيهة لا تهدف من نشاطها الإعلامى سوى لإيصال الحقيقة وتحقيق مصلحة المواطنين والوطن بشكل عام. وقال التقرير إن وسائل الإعلام الخاصة والصحف المستقلة والحزبية هى الأكثر تناولاً لقضية الفساد، وأن الصحافة الاستقصائية والتحقيقات الصحفية والإعلامية تمثل حلقة مفقودة فى القوالب الإعلامية المستخدمة فى تناول ظاهرة الفساد ومعالجتها، فيما تميل التغطية الإعلامية إلى التركيز على قضايا الفساد الكبير مثل قضية القمح الروسى وقضية الرشوة الكبرى بوزارة الإسكان. وأشار التقرير إلى أنه من الملاحظ أن الفترة الماضية شهدت تفاعلاً جيداً فيما يتعلق بتناول الدراما التليفزيونية لقضية الفساد من خلال عملين دراميين هما مسلسل «شرف فتح الباب»، وتناول شخصية الموظف البسيط «شرف فتح الباب» الذى يقبل رشوة كبيرة على اعتبار أنها حقه، ويجسد العمل الدرامى نمطاً أصبح سائداً فى المجتمع، وهو تبرير قبول الرشوة والازدواجية الأخلاقية والتدين الشكلى، وكذا مسلسل «الوتر المشدود»، وتدور أحداثه حول الفساد الذى لحق بقطاعات مهمة من قطاعات الدولة مثل قطاع الزراعة، ودخول المواد المسرطنة إلى الأسمدة.