حدثنا محمود شبارة.. فيلسوف الشارع والحارة.. فقال: لقد كنت أحيا فى الريف حياة هنية.. فوجدتها لطموح نفسى غير مرضية.. فأخذت قرارى بالسفر إلى القاهرة.. لأنعم بالعيش والحياة المتطورة.. فحزمت حقائبى وذهبت للقطار أجرى.. وأنا سعيد وفى عجلة من أمرى.. وركبت القطار ونزلت.. فى المحطة وقفت وبلمت.. فالمئات يذهبون ويجيئون.. كأنهم إلى مكان الحشر ذاهبون.. وذهبت للوقوف فى محطة الأتوبيس.. ورأيت من الناس من هم أشبه بالنسانيس.. فمنهم من يجرى وراءه ويتنطط.. ويقفز وراءه ويتشعلق.. ومن خارج شبابيكه ظاهرين.. وكأنهم داخل علبة سردين.. فركبت الأتوبيس مثلهم.. وفعلت مثلما كان فعلهم.. وبينما الناس واقفون.. وداخل الأتوبيس يتزاحمون.. صاحت فتاة قائلة (حرامى حرامى أخذ الأسورة!). ولم أكد أستوعب تلك الصيحة حتى وجدت الناس هيجة.. ووجدت الناس علىّ يهجمون.. ويوسعوننى ضرباً ويلكمون.. إلى أن صاحت الفتاة ليس هو من تضربون.. فتوقفوا وأخذوا يعتذرون.. بعدما كنت قد تحولت إلى لحمة مفرية.. تصلح لصناعة الكفتة والشركسية.. فأخذت قرارى بالنزول.. وأخذت طريقى على طول.. ولما تعبت من كثرة المسير.. أخذت تاكسى وبلاها توفير.. وسألت السائق عن فندق صغير.. إقامة مريحة ولا يأخذ الكثير.. وبعدما أوصلنى بالسلامة، أعطيته من الأموال ما فيه الكفاية.. فنظر إلى باحتقار، وقال: (أمثالك يركبوا التاكسى ليه؟! هيه البلد باظت من إيه؟).. وسبت التاكسى وطلعت على الفندق.. وأنا بقزقز بعض اللب والبندق.. وسألت موظف الاستقبال.. وأنا متقنعر زى الغزال.. عن ثمن الحجرة فى ثلاث ليال.. فقال ألف جنيه وريال.. فأصابنى هم عظيم.. وظل وجهى مسوداً وهو كظيم.. فقال (مالك أنت ومال النعيم؟!.. أمثالك يعيشون ويأكلون البرسيم).. وخرجت أمشى حتى وصلت لقهوة المعلم سلمونى.. صاحب قهوة تعالوا عندى وعبرونى.. وأخذت أخبره بهمى فقال لى: ليه تحرق دمى؟.. فأخذت قرارى بالعودة.. بلدنا أولى من القاهرة والخوتة!! عمرو عبدالله