«التطبيع مع القبح» عبارة لخصت كل ما تعانيه الشخصية المصرية من أمراض الآن، عبارة اقتبستها من كتاب «المصريون الجدد» للكاتبة الصحفية سلمى قاسم جودة، الصادر عن «كتاب اليوم»، وضعت سلمى الشخصية المصرية المعاصرة على طاولة التشريح الاجتماعى، واستطاعت بقلمها الرشيق وأسلوبها الموجع وصراحتها التى لا تعرف المواربة وانحيازها للمستقبل ورهانها على المنطق والعلم كجواد رابح، استطاعت أن تقدم بورتريهاً صادماً للمصرى الجديد العائش فى غيبوبة الماضى، الغارق فى محيط الخرافة، الخائف من طاقة جسده، المرتعش من استخدام عقله، المخاصم للبهجة، المتحالف مع ثقافة الموت. استخدمت سلمى قاسم جودة عدستين مكبرتين لقراءة شخصية المصريين الجدد، الأدب والجريمة، الأدب كما تقول بوصفه الفلسفة فى أجمل حالاتها، والجريمة بوصفها لحظة شريرة وغريزة دميمة تكشف ما يمور فى المجتمع من علل فتاكة، كتبت سلمى فى خانة التشخيص الإكلينيكى للشخصية المصرية بأنها شخصية انسلخت من جذورها السوية المعتدلة لتعانى من اغتصاب الوعى ووأد الروح، لتحل محلها شخصية مصرية جديدة تسعى بدأب لبعث حالة موجعة من الجاهلية الجديدة. المرأة المصرية الجديدة تسعى بدأب مدهش وعزيمة جبارة للعودة إلى عصر الحريم، ملثمة الوجه والعقل والذهن، تغوص فى أقبية الظلام لتكون الظاهرة الاستثنائية التى تلفظ فيها المرأة حريتها وآدميتها بمحض إرادتها. «ربع ساعة من الرحمة أفضل من 70 ساعة من الصلاة» حكمة ترصع قصر محمد على بشبرا، بروزتها الكاتبة ببراعة حين تحدثت عن الدعاة الجدد الذين اخترقوا العقل المصرى بأموال البترو دولار، ضللوا العوام والنخبة بنموذج جديد من الغواية على شكل طقوس منزوعة من أى جوهر دينى حقيقى، وتقول الكاتبة سلمى قاسم إن المجتمع المصرى أصيب بحالة من الكراهية المتصاعدة والغل الجماعى والثأر من الآخر لمجرد أنه آخر مختلف. تتساءل سلمى فى كتابها لماذا لا توجد قناة مستنيرة واحدة فى مواجهة تلك القنوات الظلامية؟ هل النخبة المثقفة باتت تدمن مسك العصا من المنتصف فى ظل أجواء تتقيأ حممها فى ظل مجتمع وحياة صارت ذبيحة تنهشها الضباع، تصفهم الكاتبة بأنهم أصيبوا ب«النيقروفاج» وهى شهوة التهام الموتى؟! تصرخ الكاتبة فى النهاية بالحل فتقول: «لنسع نحو صحوة عفية عاتية رغم أنف التيارات البدوية السلفية والرجعية البازغة من الداخل والخارج، ومحاولات الإمبراطورية الجديدة المدججة بالقوة الباطشة والتى ساندت كل التيارات السلفية قاطبة، ومازالت رافعة ومفتعلة شعارها الفج صدام الحضارات، فالحضارات لاتتصادم بل تتواصل». تحية إلى مبدعة فى كتيبة العقل، تحارب بقلم رشيق ولكنه مدبب ومسنون بالحق والمنطق ولذلك سيصيب الهدف ويحقق النجاح حتماً، نحن فى إحتياج إلى تلك الأقلام الجريئة المستنيرة مثل قلم سلمى قاسم جودة فى معركة التنوير، وفى النهاية تحية لمن تتبنى نشر تلك الأفكار المستنيرة الكاتبة الصحفية نوال مصطفى التى تتصدى للفكر الظلامى بسلسلة كتب هى بمثابة حائط الصد الأخير ضد جحافل التتار وخفافيش الظلام.