تحليلًا للتغيرات التي لاحقت الشخصية المصرية، صدر مؤخرًا للكاتبة سلمي قاسم جودة كتاب "المصريون الجدد".. متناولًا تلك الشخصية التي كانت تتميز بالسماحة والصفاء.. وتحولاتها عبر السنوات الماضية لتصبح مسخاً مشوهًا.. ويقع الكتاب الصادر عن سلسلة "كتاب اليوم" في مائتين وثماني صفحات، من القطع المتوسط، تتعدد خلاله المقالات مفندة معالم الشخصية التي كانت والتي أصبحت. يأتي العنوان "المصريون الجدد" ليثير تساؤلًا لدي المتلقي، وهو: هل هناك مصريون جدد وآخرون غير جدد؟.. ومن الجدد؟.. وأين يوجدون؟.. لتتطرح جودة الإجابة خلال صفحات الكتاب - دون إسهاب - إذ تسير بالمتلقي في تسلسل وعرض رائع للوصول إلي ماهية هؤلاء الجدد. بل ينمِّي العنوان، داخل القارئ شعورًا بالحزن المختلط بالأسي لما آلت إليه حال الإنسان المصري، الذي طالما كان مضربًا للمثل في التسامح وتقبل الآخر.. بل كان نموذجاً في الفضيلة والاحترام والأخلاق الرفيعة التي نشأ وتربي عليها.. ليثير أيضًا تساؤلًا آخر: ماذا حدث؟.. وما الذي صنع منا مصريين جدد؟.. بل ما الذي صبغ المجتمع بألوان الانتهازية والعصبية القبلية والتطرف. "التطبيع مع القبح"، جاء الفصل الأول تحت هذا العنوان، شارحًا ومدللًا علي أثر التطبيع في تحول المصريين القدامي إلي المصريين الجدد، إلا أنه يحرك الأذهان إلي هذا القبح الذي استشري علي الأصعدة كافة، ليجعل القارئ يتساءل: كيف أصبح المصريون يتعاملون مع التطبيع وكأنه شيء من الطبيعي أن نراه ونسمعه؟ وفي تتابع حدثي يأتي أول مقالات الفصل، والذي أسمته جودة "يوم حار في مرور مهانستان"، والذي يفصل مدي المعاناة التي يلاقيها أي مواطن في إدارة المرور، وعبر لغة مستأنسة مألوفة، تستطيع المؤلفة شرح علاقة المواطن "المهانستاني" بإدارة المرور، فتصفها بالعميقة والمركبة، شارحة كيف يشعر أن الطريق بسياراته هو حلبة أساسية لتحقيق الذات، بغرض الهروب من الإحباطات المتتالية التي تلاحقه في البيت والعمل والمجتمع، بل لا تغفل سلمي أن تستعرض دور المشاة وهم يعبرون عن حالة اليأس والقنوط المزمن التي لازمتهم. وفي سياق موازٍ لذاك الشعور تترك جودة دولة "مهانستان" لتسبح بالقارئ في "البحر والحنين إليه" لإنعاش الذاكرة ببحر الإسكندرية، ذاك الذي يحمل حكايات الراحل نجيب محفوظ وشخصيات رواياته "ميرامار" و"الطريق" و"السمان والخريف"، إضافة إلي شخصيات العديد من الأدباء والفنانين ذوي الأثر والذين أثروا الحياة الأدبية بإبداعاتهم. إلا أن سلمي قاسم، لا يفوتها أن تشير - بأسي يظهر جليا بين ثنايا السطور - إلي تحول تلك المعالم والحكايات - مثلها مثل كل شيء - إلي الاستهلاك.. ليتراءي للقاري مرة أخري سؤال: من الذي يسعي إلي سحل وتهشيم الهوية والتراث؟.. بل من الذي حول المدينة الجميلة إلي مدينة بلاستيكية تسعي وراء إبهار العين لا الروح؟ لتنتقل بعد ذاك إلي العاصمة "القاهرة"، مدينة الصفوة العاشقة.. والتي تبدع سلمي في وصفها: فليل أم كلثوم المطرز بصوتها يجعل منها حالة راقية يعيشها المجتمع بأسره بمختلف طبقاته؛ يشرب من نبع ذائقة جمالية وإبداعية واحدة. أما القضايا المجتمعية، فقد أفردت لها الفصل الثاني "أدب السقوط"، مستعينة علي إبرازه بطريقة أدب كبار الكتاب والروائيين، فتبدأ جودة ب"عمارة يعقوبيان" للأديب علاء الأسواني، موضحة الاحتفاء الكبير الذي لاقته تلك الرواية من قبل الجميع؛ جمهورًا ونقادًا ومثقفين، نظرًا لما استطاعت أن ترصده من ظواهر اجتماعية عبر نصف قرن من الزمان، في الفترة من قيام ثورة يوليو إلي أوائل الألفية الجديدة. وتقول المؤلفة عن الرواية: ونظرًا لجرأة "عمارة يعقوبيان" في التعامل مع المجتمع "القاهري القديم"، لذا فقد جاءت بمثابة انعاش للواقعية الاجتماعية من جديد. وضمن التتابع الدرامي، الذي امتازت به جودة، ألقت الضوء في فصلها الثاني أيضًا علي رواية "عزازيل"، تلك التي نالت جائزة البوكر العربية، واصفة إياها بأنها بديعة مشتملة علي كل ما هو نبيل وصاف.. إذ يرصد كاتبها د. يوسف زيدان مأساة الإنسان في كل زمان ومكان، حال محاولته طمس جوهر الأديان بالمغالاة؛ الحالة التي تثمر ثمرة غاية في المرارة تتجسد في التعصب والتطرف. أما "واحة الغروب" للروائي بهاء طاهر و"تغريدة البجعة" لمكاوي سعيد، فقد ألمحت إليهما سريعًا في تكثيف غير مخل، لتختتم فصلها ب"يوتوبيا" لأحمد خالد توفيق، والتي لاقت نجاحاً كبيراً تحت عنوان صادم: "الجنس طعام الفقراء".