عادت أحداث الانتفاضة الأولى إلى الأذهان بقوة بين الفلسطينيين على مدار 3 أيام، بدأت الاثنين الماضى، عندما اندلعت اشتباكات عنيفة بين قوات الاحتلال الإسرائيلية وأبناء مخيم «شعفاط» للاجئين، الواقع شمال شرق مدينة القدس، بعدما اقتحمت قوات الجيش وما يسمى «حرس الحدود» المخيم، التى لم تأل جهداً فى قمع شبان المخيم، الذين هبوا إلى الشوارع لرجمهم بالحجارة والزجاجات الفارغة، فى انتفاضة صغرى، اعتقل خلالها أكثر من 100 شاب، معظمهم تقل أعمارهم عن 18 عاماً. كما سلطت أعمال العنف التى صاحبت عملية الاقتحام الأضواء على هذا المخيم الذى يعانى منذ سنوات ظروفاً معيشية قاسية وتتجسد فيه سياسات التمييز العنصرى الإسرائيلية، والتى عاش بسببها أهالى المخيم أياما متوترة، خاصة أن قوات الاحتلال طوقته بالكامل وداهمت المنازل والمراكز الصحية دون إبداء أى أسباب. وقال مسؤول لجنة الخدمات الشعبية فى المخيم، خضر الدبس، إن الأمر لم يقف عند حد المداهمات والتفتيش، بل استغلت بلدية الاحتلال فى القدس التواجد العسكرى الإسرائيلى ليرافق موظفوها القوات بهدف جباية ضرائب ومخالفات وغرامات مالية قالوا إنها نتيجة عدم تسديدهم ضرائب مستحقة، وهو ما علق عليه الدبس قائلاً: «بلدية الاحتلال فى القدس تطالبنا بضرائب عالية جداً على خدمات لا تقدمها لنا رغم كون أهالى المخيم يتبعون البلدية بشكل مباشر». ويعتبر «شعفاط» من أكثر المخيمات الفلسطينية فى الضفة الغربية ازدحاما بالسكان، رغم أنه أقيم بعد 20 عاماً من النكبة وتهجير الأهالى من قراهم الأصلية فى الداخل المحتل عام 1948، ففى هذا العام خرجت العائلات التى تعود أصولها إلى 56 قرية فلسطينية واقعة فى محيط القدس، بالإضافة إلى مدينتى اللد والرملة، واستقر بها الحال بعد لجوء لأكثر من 4 أعوام فى مدن الضفة والداخل الفلسطينى فى حارة الشرفا بالبلدة القديمة فى القدس، والتى لم تكن قد وقعت بيد الاحتلال بعد، اعتقاداً منهم أنها النقطة الأقرب للعودة إلى قراهم. بقى الحال على ذلك حتى عام 1966 عندما فرضت عليهم وكالة غوث وتشغيل اللاجئين «أونروا» وبالاتفاق مع الحكومة الأردنية حينها الانتقال إلى أرض المخيم، بحجة أن المنطقة لا تتوفر فيها الشروط الصحية الملائمة لعيش اللاجئين. وبقوة التهديد، نقلت «أونروا» اللاجئين إلى شعفاط حيث لا ظروف صحية أفضل حالا من ذى قبل بل على العكس، كان الوضع أكثر سوءا كما يقول خضر الدبس «الظروف التى كان يعيشها اللاجئون فى مدينة القدس كانت أفضلا حالا والخدمات المقدمة لهم من الوكالة كانت أحسن، والوحدات السكنية التى سلمت للمواطنين بدلا عن تلك التى كانوا يسكنونها فى القدس كانت أفضل بكثير». وبالفعل انتقل لاجئو حارة الشرفا إلى المخيم وبدأت فصول جديدة من المعاناة، أهمها احتلال اليهود لوحداتهم السكنية التى كانوا يعيشون فيها فى حارة الشرفا بعد أقل من عام على ترحيلهم، عقب احتلال إسرائيل للشق الثانى من القدس، وتبدل اسم الحارة آنذاك من «الشرفا» إلى «حارة اليهود». الداخل إلى المخيم يلحظ بوضوح حجم الاكتظاظ فى المبانى والسكان على حد سواء، فعلى نفس المساحة التى سكن بها 3500 نسمة وهى 203 دونما يسكن حالياً 23 ألف نسمة. ويقول الدبس «الأونروا ترفض توسيع مساحة المخيم إلا بموافقة بلدية الاحتلال، التى يقع المخيم تحت سلطتها بالكامل، بحسب اتفاقيات أوسلو التى تمنع تدخل السلطة الوطنية فى المخيم». هذا الوضع أجبر آلاف العائلات على التوسع باتجاه أحياء «رأس خميس» و«رأس شحادة»، وهو ما تعتبره سلطات الاحتلال غير مسموح قانونيا، وبناء عليه تلاحق المواطنين بقرارات الهدم لهذه المنازل. ويوضح الدبس «أرض المخيم غير مهيأة للبناء العمودى، فلا يوجد تنظيم هيكلى لها، ومن هنا لجأ السكان للتوسع العمرانى باتجاه رأس خميس وشحادة، الخاضعتين لبلدية الاحتلال والتى لا تقدم فيهما أى خدمات تذكر فيما عدا «خدمة هدم المنازل» وفرض الغرامات المالية العالية عليهم. ولم تقف معاناة أهالى المخيم عند هذا الحد، فكان جدار الفصل العنصرى عام 2004، حيث قررت بلدية الاحتلال إخراج المخيم مما يسمى ب «غلاف القدس الكبرى» من خلال بناء الجدار العازل، الذى يفصل المخيم، رغم حمل 95٪ من سكانه الهويات المقدسية.