يسن القرآن لأنبيائه مبدأً هو ألا يطلبوا أجرًا لقاء دعوتهم، وتكرر ذلك بشكل ملفت، وانظر إن شئت: «قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ» (الأنعام : 90). «وَيَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالاً إِنْ أَجْرِى إِلاَّ عَلَى اللَّهِ» (29). «يَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِى إِلاَّ عَلَى الَّذِى فَطَرَنِى أَفَلا تَعْقِلُونَ» (هود: 51). «فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِى إِلاَّ عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ» (يونس: 72). «وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِى إِلاَّ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ» (الشعراء: 109). تكررت أربع مرات أخرى فى سورة الشعراء الآيات 127، 145، 164، 180. «قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنْ الْمُتَكَلِّفِينَ» (ص: 86). معلوم أن الأنبياء جميعًا كانوا قبل أن يكلفوا بالرسالة يعملون فيما يعمل الناس من مهن، ولكن لم يحدث أن واصل أحد منهم حرفته بعد الرسالة، فالرسالة تتطلب أن يُنذر حياته كلها لها، ولما كانت من الله، فإن الله تعالى هو الذى يأجره. وكيف يحدث هذا؟ نحن نعلم أن السيدة مريم كانت تجد عندها رزقاً، فلما سئلت عنه قال «هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ»، وليس شرطاً أن يتم هذا للأنبياء، ولكن الحقيقة أن الله تعالى لا يختار أنبياء بطاناً، وإنما من الذين يرون «حسب امرئ لقيمات يقمن صلبه»، وقد تكون تمرات وشىء من لبن ولن يعجزهم هذا، على أن الله تعالى قد يخصص لهم شيئاً فيما يضع من سياسات مالية. المهم ألا يأخذ لقاء الدعوة أجرًا. وفى هذا حكمة عظيمة.. تلك هى أنه ما أن يدخل المال شيئاً حتى يفسده، فإذا دخل السياسة أفسدها، وإذا دخل الدين أفسده أيضًا. الدعوة لله يجب أن تكون مجردة لله. ونحن نرى اليوم دعاة مترفين يحملون سبحة تكفى لبناء عمارة، ويحصلون على مئات الألوف، كما نعلم أن كل سؤال إنما يحسب بالدقائق على السائل لحساب البرنامج، وهذه أعمال تجعل من الدعوة تجارة بحيث يختلطا، فلا نعلم أين الدين وأين التجارة. فإذا كانوا يدعون إلى سُنة الرسول، فالرسول منهم براء.