ليس عيبا أن يفيق الإنسان إلى رشده، ليكتشف أن العادة التى اعتادها على مدار سنوات عمره المتتالية قد جعلت منه مدمناً، وأخذت تنقض على أجزاء جسده وتدمرها واحداً تلو الآخر، فالتدخين ليس أول العادات السيئة التى اكتُشفت أضرارها، وامتنع عن تناولها العاقلون، فالمخدرات قبل مائة عام كانت مثل التبغ والدخان مسموح بتداولها وبيعها وتعاطيها، ولعل الإعلان المنشور فى مجلة «ساينتفيك أمريكان» الشهيرة فى عدد يوليو عام 1898 يصف لنا ذلك بوضوح إذ يقول نص الإعلان « شراب الهيرويين كل ساعتين.. يقضى نهائياً على الكحة» ويسترسل الإعلان ليصف الجرعات لكل من البالغين والأطفال، أما الشركة المعلنة فكانت شركة «باير» الألمانية الشهيرة التى توصلت إلى اختراع الأسبرين بعد سنة واحدة من هذا الإعلان. وقبل ذلك بسنوات عديدة كان الهيرويين والكوكايين يستخدمان بشكل مكثف لعلاج وتسكين الآلام والأمراض، قبل أن يتم اكتشاف آثارهما التدميرية التى تؤدى إلى الإدمان والهلاك، حتى إنه فى عام 1894 كانت تباع فى الصيدليات علبة تنتجها إحدى شركات الأدوية، مكتوب عليها «عبوة الطوارئ» وتتكون من حقن كوكايين للحقن تحت الجلد، وبودرة كوكايين للشم، ومعها حقنة مورفين وأتروبين. وبعد سنوات من استخدام مثل هذه المواد المخدرة من أجل أغراض علاجية ظهرت الآثار التدميرية لهذه المواد، فظهرت القوانين تباعاً ابتداء من عام 1914 بتجريم استخدامها، وتغليظ العقوبات لمن يتاجر فيها إلى حد الإعدام. ونخلص من هذا إلى أن المخدرات فى القرن الماضى كانت سلعة مشروعة ورائجة قانوناً، وعندما تبين للناس أضرارها وعواقبها فإنها حرمت وتم تجريمها، وعقوبة من يتناولها ويتاجر فيها، وهو نفس ما يجب أن يحدث مع التدخين والسجاير والشيشة من خلال قوانين الدولة التى يجب أن تشدد على تقييد حرية المدخن فى ألا يضر الآخرين بتدخينه، وينبغى أن تتدرج فى تغليظ العقوبات للمدخن تدريجياً حتى يمتنع عن التدخين، من أجل صحته أولاً، ومن أجل مجتمع وبيئة نظيفة، فالمؤمن الحق هو الذى لا يصر على ارتكاب المعصية «ولم يصروا على ما فعلوا ...»، وإذا ارتكب المعصية فإنه يندم عليها ويعود إلى رشده وصوابه ولا يسير وراء نفسه الأمارة بالسوء التى سوف تسوقه إلى الهلاك. [email protected]