شىء جميل أن نرى الأساتذة الكبار من رواد الإعلام المصرى وهم يكرمون فى اليوبيل الذهبى للتليفزيون «العربى» المصرى، وأن نتذكر إبداعاتهم عندما كانت الريادة واقعا نعيشه وليست شعارا نرفعه. غير أن أكبر تكريم لهم هو البناء على إنجازاتهم، وألا نكتفى بالطبل والزمر، بل نجعل من المناسبة فرصة للتقييم الصادق للنفس، مع نظرة إيجابية للمستقبل. وقد منعتنى أيام (البلبطة) فى مياه مرسى مطروح الرائقة من متابعة الكثير من الاحتفاليات والندوات حول الموضوع، لكنى شاهدت بالمصادفة جزءا من حوار الزميل خيرى رمضان مع وزير الإعلام أنس الفقى، وأسعدنى أن تكون فى أغلبه نظرة مستقبلية، خاصة فيما يتعلق بتطوير قناة النيل للأخبار لتكون قادرة على المنافسة. وأنا لا أشك فى صدق رغبة وزير الإعلام ورئيس قطاع الأخبار الصديق عبداللطيف المناوى فى التغيير للأفضل، لكن الوزير يضع ما حدث من تطوير فى أخبار التليفزيون نموذجا، وبالتالى ينبغى تقييم هذا التطوير بموضوعية قبل أن نكرر التجربة، فإضافة أجهزة تكنولوجية حديثة أمر مطلوب، وإضفاء نوع من الحركة والحيوية على أداء المذيعين ضرورى، مع تحفظى على الطريقة التى تتم بها. لكن هل زاد ذلك من نسبة المشاهدة أو من مصداقية الأخبار لدى المتلقى؟ أشك!. والوزير صادق فى تأكيده أن نفقات القنوات المنافسة أكبر من أن تتحملها ميزانية التليفزيون، لكنى أختلف مع توصيف الحل لديه بالتركيز على الجانب التحليلى، وليس «الإبهار». فإذا كنا نتحدث عن قناة إخبارية فإن الوصول السريع لموقع الحدث والتغطية الشاملة له ليسا إبهارا لكنهما ضرورة حتمية. وهناك وسائل عديدة للحد من النفقات، مع توجيهها لمسارها الصحيح. ففى الماضى رأينا إنفاق أموال هائلة على توسيع وتلميع المكاتب، بينما كان العاملون يتصارعون للخروج بكاميرا غير موجودة، أو يستخدمون ماكينات قديمة فى المونتاج «تسف الشريط». ومعلوماتى أن لدى قطاع الأخبار الآن إمكانات لا بأس بها، وبقى أن يتم توظيفها لتغطية الأحداث المهمة وليس «البروتوكولية» لكبار المسؤولين. فعندما وقع حريق قطار الصعيد، نجحت قناة «الحياة» فى النقل الحى من موقع الحادث، ولكن بدلا من معالجة التقصير فى أداء «أخبار التليفزيون» التى لم تحرك ساكنا، وجه الوزير إنذارا ل«الحياة» لأنها تناولت موضوعا إخباريا. وأنا هنا لا أقلل من أهمية الجانب التحليلى، لكنى أتوقع أن يكون باهتا أو قاصرا. فعندما تم مد قانون الطوارئ بعد تعديله، استضاف برنامج «مصر النهارده» الدكتور مفيد شهاب، مهندس التعديلات الجديدة، دون وجود تمثيل للرأى الآخر حتى من «المعارضين الحكوميين» المستأنسين، فلو كان هذا هو التطوير المنتظر، فإن الأفضل توفير النفقات، خاصة عندما يشكو آلاف الموظفين من عدم الحصول على مستحقاتهم المالية لمدة أربعة شهور، فما يحتاجه العاملون يحرم على التطوير. أمر آخر تحدث عنه الوزير ولم أشاهده لكنى طالعته فى جريدة «المصرى اليوم» فى اليوم التالى، وهو حديثه عن إمكانية استضافة الدكتور محمد البرادعى «إذا كان لديه جديد»، وهو ما يفهم منه أن كل من يستضيفهم التليفزيون فى برامج «اللت والعجن» لديهم الجديد.. فماذا لو أراد البرادعى إعلان ترشحه للرئاسة.. هل سيكون ذلك جديدا بما يكفى لاستضافته؟ لكن الوزير يرى أن البرادعى «ظاهرة إعلامية وليست سياسية»، ويبدو أن هناك قرارا بمنع استضافة «الظواهر الإعلامية»! إن القضية ليست البرادعى كشخص، وهو يمكنه الدفاع عن نفسه إذا أراد، لكن المشكلة فى الفكر والتوجهات التى تحكم مبنى ماسبيرو فى عيده الخمسين. فمنصب وزير الإعلام لم يعد له وجود فى أغلب الدول، ووجوده لا يعطيه الحق فى تقرير من يستضيفه التليفزيون أو لا يستضيفه، فهو تليفزيون «الدولة» أى الشعب المصرى كله ودافعى الضرائب، وليس تليفزيون الحكومة أو الحزب الذى تمثله. إن أكبر خدمة كان يمكن للوزير أن يقدمها للنظام هى أن يطلق عددا من مقدمى البرامج «الثقيلة» -وما أكثرها فى ماسبيرو!- على البرادعى. فالمذيع «يبهت» على الضيف. وكان أى منها كفيلا «بتطفيش» الناس من الرجل، مع إظهار النظام فى موقف قوى، والتليفزيون كأداة إعلامية حرة، خاصة أن هناك قنوات خاصة كثيرة يظهر فيها البرادعى وتحظى بمشاهدة أعلى من تليفزيون الوزير. وأبسط قواعد الدعاية هى أنه إذا كانت المعلومة ستصل إلى الجمهور فى كل الأحوال، فإن عليك المسارعة بتقديمها أولا بطريقتك. لكن لحسن حظ البرادعى وأنصاره، أن بعض مسؤولى إعلامنا ربما لم يطلعوا على كتاب فى فنون الإعلام!