كلنا خرجنا من معطف نور الدمرداش

يقول كتاب القصة فى روسيا «كلنا خرجنا من معطف جوجول»، ولابد أن يقول مثلهم صناع الدراما فى مصر والعالم العربى «كلنا خرجنا من معطف نور الدمرداش»، إنه ملك وإمبراطور الفيديو فى مصر والعالم العربى، بدأ من الصفر حيث لم يكن هناك اختراع أو شىء اسمه دراما تليفزيونية مصرية أو عربية، جاء هذا العبقرى ليمتع الجمهور ويثقفه ويصنع له دراما جذابة جعلت منه حكاء مصر الدرامى الأول الذى صنع وجدان الملايين فى الستينيات ومنذ ولادة التليفزيون، تخيلوا معى قامة بهذا الحجم وبهذه المكانة لا يكرمه التليفزيون فى عيده الخمسينى بإطلاق اسمه على استديو 10 حتى يظل هذا الاسم الرائع الخالد فى الذاكرة رمزاً للإبداع والاجتهاد والجدية والقدرة على صناعة الحلم وتحقيقه.
توجه وفد من الفنانين عدة مرات إلى مكاتب رؤساء اتحاد الإذاعة والتليفزيون السابقين وطالبوا بالحاح بأن يطلق اسم رائد فن الدراما نور الدمرداش على أكبر استديوهات التليفزيون، وهو طلب تافه مقارنة بحجم العطاء الذى بذله هذا الرجل، وأشهد من خلال ما نقله لى بعض هؤلاء الفنانين أن الرد من هؤلاء المسؤولين كان مجرد كلام معسول ووعود تبخرت مع الهواء، وأعتقد أنه قد حان الوقت لتكريم نور الدمرداش من وزير الإعلام ورئيس الاتحاد الحاليين، ولن نجد أفضل من العيد الذهبى للتليفزيون لكى نكرم هذا العملاق.
صاحب روائع «هارب من الأيام» و«لاتطفئ الشمس» وملحمة «الضحية» و«الرحيل» وغيرها من كلاسيكيات الدراما، كان نور الدمرداش هو المايسترو الذى كان يقود أوركسترا الدراما المصرية، كان قادراً على حشد الجمهور وحبس أنفاسه وتشويقه وجذبه بمغناطيس إبداعه المتفرد فى ظل ظروف فى غاية الصعوبه تجعل من إخراج المسلسل الدرامى مهمة انتحارية، يكفى أن نعرف أن المسلسل كان يصور كالمسرحية فى عصر تخلف المونتاج وبدائية التقنيات، ولو أخطأ ممثل قبل انتهاء الحلقة بدقيقة تتم إعادة الحلقة بكاملها!!،
كانت ظروف الاستديوهات تجعل مخرجى الدراما يعملون كعمال التراحيل، فى ظل هذه الظروف والإمكانيات صنع الدمرداش وصاغ هذه الروائع التى كانت الشوارع تصمت وتخلو حين يعرض مسلسل يحمل توقيع نور الدمرداش الذى كان مجرد اسمه على التيترات علامة جودة وتميز.
كيف ينسى أو يتناسى مسؤولو التليفزيون نور الدمرداش؟، إنه ليس مجرد رقم فى طابور المكرمين، إنه مبدع ومؤسس ورائد، وإطلاق اسمه على استديو 10 فى التليفزيون ولا أقول على منطقة استديوهات مدينة الإنتاج الإعلامى التى يستحقها، هذه اللافتة ستكون لفتة ذكية لها دلالة مهمة وهى أن من يحرث فى أرض صحراء جدباء لم تطأها قدم من قبل، المغامر الذى لديه الجسارة والجرأة فى أن يقتحم ميداناً مجهولاً، أمثال هؤلاء الرجال هم من يصنعون الإعلام الجيد، ونور الدمرداش على رأس هؤلاء المغامرين المبدعين.
كرموا نور الدمرداش فتكريمه تكريم لكم قبل أن يكون تكريماً لتاريخه وعطائه الرائع.
info@khaledmontaser.com