يمكنك أن تتفق مع «أحمد حلمى» أو تختلف معه، أن تراه مبالغا فى مشاعره تجاه مصر فى فيلم «عسل إسود» أو صادقا فى عودته إليها لمجرد استمتاعه بالدفء الأسرى الموجود بها، يمكنك كذلك أن تلومه على استخدامه جواز سفره الأمريكى، أو تقول لمن يجاورك مقعد السينما «والله معاه حق»، فهو فى النهاية فيلم سينمائى تنتهى علاقتك به وببطله بمجرد نزول التترات، بينما يقف الكثير من الشباب المصرى مزدوجى الجنسية يحملون جواز سفرهم الأجنبى فى يمينهم والمصرى فى يسارهم، ويؤكدون أن الفيلم كان أكثر تفاؤلاً من الواقع الذى عاشوه. بلغة إنجليزية ذات لكنة أمريكية واضحة يتحدث عبدالرحمن مقلد – 21 عاما- «مصر جميلة جدا، لكن من المستحيل أن أفكر فى العيش بها»، ويكمل «ولدت بالولايات المتحدة وعشت بها كل حياتى، عدت لمصر بلدى الأم لمدة سنتين أثناء الدراسة الثانوية، وكنت أتحدث اللغة العربية بطريقة «مكسرة» للغاية، مما جعل الناس تعرف على الفور أننى لم أكن أعيش فى مصر، كنت أصادق العديد من سائقى الميكروباص الذين أجدهم رجالاً يكافحون رغم أن هناك فئة منهم شديدة الإجرام إذ شاهدت بعينى معارك شديدة بينها تم بالسكاكين والأسلحة ، ولم أتعامل مع سائقى التاكسى، حيث كنت متأكدا أنهم قد يفعلون أى شىء للحصول على محفظتى. «لقد تركت مصر فى زمن المعاكسات، وعدت فى زمن التحرش» تعلق بذلك ياسمين رمضان «25 عاماً»، التى تركت مصر عام 2001 بعد أن قرر والدها الهجرة إلى أمريكا بناء على نصيحة أصدقائه، الذين خاضوا التجربة، بعد التخرج فى الجامعة بثلاث سنوات قررت ياسمين زيارة مصر فى إجازة قصيرة، حملت جواز سفرها المصرى رغم حصولها على الجنسية الأمريكية، الفارق الحقيقى الذى لمسته ياسمين كان بين جدران السفارة الأمريكية: «قبل السفر لما كنت بروح السفارة بصفتى مواطنة مصرية كان يتم تفتيشى تفتيشاً ذاتيا وأنتظر لوقت طويل، وعندما دخلت بالباسبور الأمريكى كان له مفعول السحر، وفى أحد الأيام كنت أرافق صديقتى فى سيارتها لوقت متأخر فى الشارع وأوقفنا كمين شرطة، وطلب الضابط من صديقتى رخص السيارة ومن الجميع بطاقاتهم الشخصية، وقال لنا اركنوا على جنب بعد ما تطلعوا البطاقات، ولعدم وجود البطاقة معى قدمت له الباسبور الأمريكى بحسن نية، فوجدته ينظر له ويقول لنا «اتفضلوا بلاش تركنوا». كانت الحكمة التى استخلصها رامى حنا – 18 عاما- وهو مصرى كندى بعد زيارته لمصر فى إجازة قصيرة هى «ياريت كل مصرى عنده باسبور أجنبى». يرى «حنا» علاقة الأمن بأصحاب جوازات السفر الأجنبية غريبة وغير مفهومة، فى آخر زيارة تم القبض على أخيه لاشتباه الضابط أنه فى حالة سكر، وعندما قال له «رامى» إن أخاه كندى تركه، يكمل «حنا»: «وجود الباسبور يضمن لك عدم سحب رخصة قيادتك، وهو ما حدث لنا عندما التقطنا الرادار» فقلنا للعسكرى «مش عيب برضه كده هتاخد ناس ضيوف عندك مخالفة»، فارتبك للغاية وقال «لا طبعاً يا باشا اتفضلوا إتفضلوا». ميرنا أسعد «25 عاما» مصرية مولودة فى مصر، تفتخر بذلك أثناء حوارها لكنها تصرخ بأنها لا تستطيع أن تكمل حياتها بها، علاقة ميرنا بمصر كما تراها بعلاقتها بأم بيولوجية، تقول «مصر اللى ولدتنى لكنها ست غلبانة، جاءت إليها واحدة أخرى غنية قالت لها هاخد بنتك وأربيها وأعلمها وأخليها مبسوطة وناجحة، فوافقت مصر، ولن أكرهها يوما على ذلك لكن سألومها، لأنها لم تحاول معى». الناس فى مصر «مش كلهم حلوين» كما تقول ميرنا، مصر عاملة زى ست جوزها مات وسابلها 12 عيل مش عارفه تتصرف فيهم، فالمصرى لا يملك الوقت ليفكر فى حياته من الأساس، فمثلاً فى كاليفورنيا حيث أعيش عندما يقود أحد سيارته فهو لا يبذل الكثير من الجهد، لأن القوانين معروفة والكل ملتزم بها، مما يعطيك مساحة للتفكير والتأمل فى الكثير من الأمور، أما فى مصر عندما يقود أحد سيارته، فيكون كل همه أن يتفادى هذا الشخص الذى كسر عليه فجأة وألا يصدم من يعبرون الشارع وكيفية التعامل مع قيادة سائق الميكروباص، واحد بيفضل 3 ساعات مابيعملش حاجة إلا التفكير فى التعامل مع الشارع والخروج منه سليم ممكن يتطور ويتقدم إمتى؟! التيار الدينى أحد الأسباب التى تمنع «ميرنا» من العودة إلى مصر: «الكثير من الناس فى مصر لا يحترمون حرية الآخر، وأصبح هناك الكثير من المظاهر خاصة الدينية مفروضة على الجميع، فنزولى للشارع دون حجاب يعرضنى للمخاطر، لذلك اخترت حريتى رغم حبى الجارف لمصر». لم تطأ قدما سارة محمود أرض القاهرة، ولدت بالولايات المتحدة واكتفت بزيارة خاطفة للإسكندرية وشرم الشيخ، لكنها لا تفكر فى العودة إلى مصر، وتضيف «عندما جئت لمصر فى إجازة، احتجت لإجازة من الإجازة، فقد تعرضت لمواقف غريبة، أولها أننى لم أستطع عبور الشارع على الإطلاق، ولا مرة استطعت عبور الشارع، وفى إحدى المرات كنت فى انتظار صديقتى فى الشارع، وجدت شخصاً يتوقف بالسيارة ويخرج نقوداً من الشباك، ويقول متخافيش أنا بدفع الأول، وهالنى هذا التحرش العلنى الذى عرفت أنه متكرر عندما كان أحد الأشخاص يسير ورائى ويقول «مش عايزين نتفرج ع اللحم إحنا عايزين نستعمله»، حتى عندما كنت أسير مع أبى كنت أتعرض لمضايقات، وكأن الناس معندهاش دم». إلا أن السبب الأهم فى علاقة «سارة» بمصر أشبه بعلاقات المراسلة هو المصريون أنفسهم، تقول «دائماً ما أشعر أن الناس يائسة وقرفانة من كل شىء، إزاى الواحد ممكن يعيش وسط شعب كامل يائس وقرفان من الحياة ؟».