برداً وسلاماً، فلتبترد القلوب بوصية المسيح، باركوا لاعنيكم، وأحبوا أعداءكم، أحبوهم وأعينوهم على تطهير قلوبهم، هناك قلوب شتى عامرة بالإيمان، تتلو آيات من الذكر الحكيم، تهفو إلى عيسى عليه السلام، تمجّده وتضعه فى أعلى عليين. برداً وسلاماً، لا تفسحوا مكانا للبغضاء، لا تتنادوا إلى شر مستطير، لا تنساقوا إلى فتنة أُعدت بليل بهيم، أسود على كل ظالم، أبيض على كل مظلوم، ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا، فقط طببوا الجروح، بلسموا القلوب، لا تفتحوا جروحاً أخرى، لا تفتحوا علينا أبواب الجحيم، إنها مؤصدة يدفعها الشيطان بعواصفه التى تكاد تقتلع أوتاد خيام الوطن، مالِ الرياح تأتى عاصفة هكذا، الوطن فى مهب ريح طائفية صرصر عاتية. برداً وسلاماً، وبعقل بارد، نحن الآن فى أمس الحاجة إلى العقل، اعقلوا هو أقربُ للتقوى، عقل بارد فى رأس رجل حكيم، هل فيكم رجل حكيم يقف على قدمين ثابت الجنان، يسبر أغوار المذبحة بروية حكيم وبهدوء محقق وبفكر مدقق.. رجل يبقر بطن الحقيقة، يخرج أحشاء الفتنة، يفرشها على منضدة الوطن، يبحث عن الحقيقة خالصة لوجه الله تعالى؟ لا يخزينكم عار المذبحة، مجللون بالعار، لقد بانت عورتنا فى الكشح مرة وفى ديروط مرة وفى نجع حمادى مرات ومرات نتعرى طائفياً أمام العالم، أنظر العالم يشاهدنا عُريًا مع كل ما نتشح به من ثياب الدين المزركشة، بها رقع حمراء بلون الدم، ثياب الواعظين ملطخة بدماء الأبرياء، إذا الثعلب يوماً برز فى ثياب الواعظين، الثعالب تكمن فى دغل الوطن. أعمى يقود بصيراً قد ضل مَنْ كانت العميان تهديه، عقل بارد وذهن مستنير، لا مكان للعميان، الوطن يحتاج إلى أعين مفتوحة عن آخرها، الفتنة لم تعد نائمة ولم تعد فى حاجة إلى من يوقظها، الوحش الكامن تحرك، جبل الكراهية الرابض تململ، أحشاء الوطن حُبلى بكائن خرافى مشوه ينفث أحقاداً. عقل بارد يلم الأطراف، يجمع ما تفرق، يلملم ما تبعثر، يرص الحقائق جوار بعضها، يربط الأشلاء إلى بعضها، يمسك بالأسباب كلها، يشخّص العلة، يحرر تقريراً يضاهى تقرير المرحوم جمال العطيفى فى أحداث الخانكة، نحن نحتاج إلى العطيفى، العطيفى لم يترك شاردة ولا واردة إلا أحصاها، وردها إلى أصلها، وفصّلها تفصيلاً، وتخارج بأسبابها، وحدد مكامن ضعفها، لم يحتملوا تقريره، ثلاجة الموتى كانت قراره، ثلاجة الموتى صارت باتساع الوطن. عقل بارد، فليتفرغ الأئمة والكهنة للصلاة، حى على الصلاة، هلموا إلى مساجدكم، إلى كنائسكم، إلى صوامعكم، اتركوها لأصحاب العقول الباردة، فليتفرغ الفضائيون لكأس الأمم الأفريقية، اتركوها لأصحاب العقول الباردة، فليتفرغ الأمن للتأمين، اتركوها لأصحاب العقول الباردة، لأولى الألباب. عقل بارد لن نبحث عنه، إنه فى الجوار، عطيفى آخر، محقق من طراز وطنى فريد، محامى الشعب المستشار عبدالمجيد محمود الذى آثر ألا يجلس أمام المدفأة فى تلك الليالى الشتوية الباردة متدثرا بجورب صوف يدفئ طرفيه، غبّر قدميه إلى نجع حمادى، فى سبيل الله، فى سبيل الوطن، فى سبيل الحقيقة، وعاد ليكتب تقريرًا جنائياً، نريده هذه المرة سياسياً، نريده تقريراً كاشفاً لأشباح الفتنة ودعاتها والعاملين عليها. عقل بارد تمرس على التحقيقات الجنائية وتقلب على وجوه العدالة خليق أن يقف على تلك الجريمة يجلّيها، يحدد معالمها التى تاهت حوافها، عمداً مع سبق الإصرار والترصد. المسيح لن يُصلب من جديد، لن يُصلب فى مصر التى احتضنته وآوته هو وأمه البتول. كما ظهرت العذراء ستظهر الحقيقة وإنا لمنتظرون.