للصديقين عمرو الشوبكى وضياء رشوان مساحة خاصة فى قلبى ونفسى ترجع إلى زمن الأحلام الجميلة، ولست أدرى لماذا أقرنهما معا بسبب وبغير سبب، فأنا أفضلهما هكذا دائما وأبدا «ضياء وعمرو»، وبعد التخرج فى الجامعة سلك الصديقان مسارا بحثيا وسافرا للدراسة فى الخارج، ونالا درجة الدكتوراه فى الحركات الإسلامية، العنيف منها و«المسيَّس». وبصرف النظر عن هذه الألقاب العلمية الموقرة، والجهد البحثى الدؤوب الذى اختاراه، كنت أتابع «ضياء وعمرو» بروح المودة القديمة، بكل ما فيها من انحياز أحيانا، وتربص ونقد ونزق أحيانا، (هكذا يتعامل غالبا أبناء الجيل الواحد)، وعندما نشرت «المصرى اليوم» فى الأسبوع الماضى حوارا مع الممثل الكوميدى عادل إمام، وجددت الاشتباكات النارية على الحدود المتوترة بين الفن والسياسة، أو لنقل بين «الفنان والسياسى»، ناقشنى أحد الزملاء فيما كتبه الدكتور حسن نافعة منتقدا «المصرى اليوم» بعنف على نشرها حوارا رأى فيه ترويجا لسياسات وأفكار ومواقف ضد قناعاته وأفكاره وسياساته، واختتمت مناقشتى مع الصديق بأننى لست مندهشا مما كتبه الدكتور نافعة، ولا من تعليقات مئات القراء الذين استسهل معظمهم الاستهزاء بعادل إمام، والسخرية منه، و«معايرته» بأنه مجرد «مهرج» و«أراجوز»، واستعاد بعضهم ثنائية قديمة كان قد روجها الشيخ كشك عن حاجة الأمة ل«إمام عادل» وليس ل«عادل إمام»، ولم أقل للزميل ما سأقوله الآن وليحتمله الدكتور نافعة بسعة صدر: إن آفة السياسة فى مصر أنها «تمسخ» المثقف وتحوله من صاحب رأى إلى صاحب سلطة، فيبدأ فى النفور من الشارع ليتمترس فى المنصة، حيث يتيح له الوضع الجديد إلقاء الأحكام والمواعظ، بدلا من النقاش والتوعية بين الجماهير، وهذا ما أحزننى وأنا أتابع السنوات الأخيرة من حياة العزيز الراحل عادل حسين، وهو يوظف المفكر لصالح «رجل الحزب»، و«صاحب الدكان السياسى»، وها أنا أفتقد موضوعية الدكتور نافعة كباحث أكاديمى ومفكر سياسى، بعد أن أغوته «نداهة السياسى»، فلم يحلل، ولم يفسر، ولم يفتش عن الجذور، والدوافع، والرسائل، التى تضمنها حوار الكوميديان، لكنه استسهل التراشق والاستنكار، والإدانة، والمطالبة بالإقصاء، وبدت أعراض المنصة واضحة وهو يوزع الأحكام على المذنبين ودرجات التصحيح على التلاميذ. أعتذر للدكتور نافعة إن بدا كلامى تطاولا على شخصه المحترم، أو تأنيبا على رأى منفعل عمَّق الأزمة ونقلها إلى خانة «الثنائيات» بدلا من أن يفككها ويضعها فى إطارها الموضوعى، وأعتذر للقراء إن تشوشوا ببداية لم تفض إلى قلب المقال، لكننى أفضل كتابة التشوش التى تجهد الذهن على تلك الكتابة المقولبة التى تستهدف التيسير على قارئ تتصور أن ثقافته لا تتيح له حتى الآن أن يقرأ إلا أخبارا إجرائية، أو رسائل محددة، أو نصوصا مبسطة لا تزيد على «عادل يأكل الفول.. وسعاد تلعب فى الحديقة»، وهو ما لم يذهب إليه أبدا عمرو الشوبكى فى مقاله البديع (الأحد 27 يونيو): لقد ناقش عمرو قضيته باحترام لكل الأطراف، والأهم باحترام للموضوعية ذاتها، وضع الأمر فى ظرفيه الفكرى والتاريخى، وعرض المعلومات وصححها، وإن لم يمنعه أدبه الجم من «نكاية» لطيفة، بدت فى جملة الختام التى تمنى فيها أن يتعلم عادل إمام من فاتن حمامة ضبط انفعالاته حتى لا يقع بين المحظورين السخيفين.. «نفاق السلطة»، أو «ارتداء ثياب الثورية». وأهم ما ذهب إليه الشوبكى فى مقاله أنه كشف تهافت تمثيلية «مصارعة الثيران» الدائرة على الساحة السياسية، حيث يندفع الثور بنوع من العماء الانفعالى فى اتجاهات خاطئة وراء عباءة الماتادور، الذى يمارس بطولة زائفة لا تستهدف أكثر من استحلاب جيوب الجماهير واستجلاب صيحات الإعجاب العابرة، فقد هدم الشوبكى كل ما قاله عادل إمام عن البرادعى، بمجرد أن أوضح أنه لم يحدث، وأن قائله لم يفهم، ونزع الكلام من سياقه بتسطيح مخل، وهذا يعيدنا مرة أخرى إلى «نظرية الصرصار» التى كشفت لنا أولئك الذين ينزلون إلى السوق ليبيعوا لنا بضاعتهم الراكدة من دون مناسبة ولا ضرورة، وأهو كله شلولخ. [email protected]