على غرار بلدان ما يسمى ب"بلدان الربيع العربي" التي عرفت ثورات عفوية جماهيرية، غير مؤطرة، مطالبة جميعها برحيل رؤساء بلدانها و إسقاط أنظمة حكمهم و استبدالها بأنظمة ديمقراطية، تلبي مطالب شعوبها في تحقيق الحرية و الكرامة الوطنية و العدالة الاجتماعية ... ،رافضة التفرد بالسلطة و القرار، منادية باعتبار الشعوب هي منبع القرار و مركز السلطة، معلنة في الآن نفسه أنها ضد الأقلية أو الفئة المدللة التي تحتكر النفوذ و تكيفه حسب مصالحها و أهوائها، و اليمن هو بلد من البلدان الذي انتزع فيه الحكم من رئيسه بعد نزول جماهير الشعب إلى الشوارع و في جميع المحافظات منادية بوضع حد لحكم الرئيس اليمني علي عبد الله صالح رغم تدخل بعض الأطراف و صياغة بعض التفاهمات بينه و بين المعارضة في سبيل إبقائه في سدة الحكم. لقد تم إقصاء علي عبد الله صالح عن الحكم و استبدل و ابتعد عن المشهد السياسي، فهل صار اليمن إلى الأفضل؟ هل تحققت طموحات اليمنيين ؟ هل استقل قراره السياسي؟ إن الثورة اليمنية قد حصدت رؤوس مئات الأرواح بين مدنيين و عسكريين ، لكن تغير الحال و بات من المحال على الأقل منذ قيام الثورة إلى يومنا هذا، فقد هبت رياح قوية عصفت باليمن و بقرار شعبه؟ لقد استفحلت أزمة الشعب اليمني، فضعف قراره و شل أمله، و انتزعت أحلامه ، و زاد انقساما بين أفراد شعبه و تقسيما بين مقاطعاته، فاتسع المد الحوثي، و وصل إلى العاصمة صنعاء، و حوصر القصر الرئاسي، فاستقال الرئيس الحالي عبد رب منصور هادي أو قل اجبر على الاستقالة، و لم تنجح آي تفاهمات آو لو تعمر إلا قليلا ، و زادت الهوة بين الطرف الحاكم و الحوثيين بعد أن ازداد الاقتتال شراسة بين الفرقاء و زادت الفتنة و استولى الحوثيون على مؤسسات الدولة و خرج الآلاف إلى الشوارع رافضين تولي الحوثيين حكم البلاد. و تعالت الأصوات المنادية باستقلالها عن الحكومة المركزية في بعض المقاطعات اليمنية و خرجت عن سيطرة الحكومة. لقد تعدى الأمر الانقسام بين الشمال و الجنوب و مطالبة الحراك الجنوبي بالانفصال عن الدولة أو تقسيمها إلى قسم شمالي و آخر جنوبي، بل تعدى الانقسام ذلك ليزداد و يتوسع. أن المشهد اليمني ازداد بؤسا فقد غابت الدولة و احتلت مؤسساتها و تفرق شعبها بعد أن أصيب بالنعرات الطائفية و المذهبية و بعد أن غزا أرضه التطرف و الحركات الاسلاماوية. فهل من مخرج لليمن و لشعبه من هذه الوضعية المزرية؟ و هل بإمكانه إن يسترجع وحدته و يحقق طموحات شعبه؟ و هل باستطاعته أن يضع حدا للتدخل الخارجي في شؤونه؟ و هل بمقدرته حماية حدوده من أعداء الدين و الوطن؟ إن الشعب اليمني مدعو اليوم و أكثر من أي وقت مضى إلى الوعي بالمخاطر المحدقة به و بوطنه، و عليه فهو مطالب بالوحدة و تقرير مصيره بنفسه و المسك بزمام أموره دون وصاية أو تدخل أجنبي. أن اعمال الفكر و التروي في اخذ لقرار أو قل صنع القرار داخل اليمن و ليس خارجه و المراهنة على كل أبناء الوطن و نبذ العنف و النظر إلى اليمن كوحدة جغرافية لا تقبل التجزئة أو الانقسام و إلى الشعب اليمني ككل ينبذ التفرقة أو الانفصام من شانه إن ينقد الوطن من تقسيم يتهدده و يخلص الشعب من اقتتال يتربص به. إن مصير اليمن موكول إليه، أو ليس من الحكمة أن يقع التصدي لقوى الدمار و الخراب ! أو ليس من الصواب أن يحتكم الشعب اليمني إلى الحوار و قبول الرأي المخالف ! أو ليس من الوجيه أن تلتزم البلدان المتدخلة الحياد و تعمل على نزع فتيل الأزمة بدل تغذيتها ! إن نكبة اليمن تكمن في تهاويه، فهل يصمد اليمن أمام هذه الهزات المتلاحقة و يؤمن نفسه و يحمي ثورته؟ أم أن الأطراف الداخلية المعادية للثورة و الأطراف الخارجية التي تريد أن يكون لها موطئ قدم في اليمن ستقف حائلا، دون ذلك و يظل اليمن في جدل لا ينقطع من الهدم و البناء. المشهد.. لا سقف للحرية المشهد.. لا سقف للحرية