نقطة ما .. قد لا تعرفها ولكنك تدركها .. تبدأ على مشارف حافة القمر.. تقذفك داخل دائرة النور.. تحتمى بها لتصنع شرنقتك الماسية ، فتحجب عنك عوادم الجمود وأبخرة اللامبالاة .. تستعيد معها توازنك وينضبط بها شعاع عينيك . إنها تلك الهالة الوضاءة التى تُشهِر ضيائها فى وجه رتابة الأيام ، فإذا بك تخلد مع موسيقاك الداخلية متوحداً مع أنين الانغام ، فينطلق إيقاعك منضبطاً هامساً : " لن أدعك ترحل عنى مجددا ، سبق وأن هجرتك وانخرطت فى عزلة جبرية ، لكنى بِت أرفضها وأُصِر على العودة للإحتماء بظلالك " . عن "الإحساس" أتحدث .. عن ذلك الكائن النورى ، الذى صارت " كُنيته " مرتبطة بالكثير من الدلالات السلبية كالسذاجة والإنفصام الواقعى وغيرها من (سُباب) مترادفات عصرنا الحالى . ولكن عندما يقترب منك مجدداً يُشعرك بالدفء ويُذيب جليد الكثير من اللحظات ويُسقِط قناعاً قد تكون ارتديته يوماً لتتعايش وسط جموع لا تجيد سوى السخرية من أجمل ما فينا نحن بنى البشر . أيها " الإحساس" لا تلفظنا من رحابك وتٌلقى بنا إلى قاطرة البضائع التى تستقل كل شىء وأى شىء. ما أجمله ذلك البركان من التفاصيل الذى دائما ما تثور به الانفعالات، فلا نتحول لتماثيل ناطقة كالكثيرين ، ولتكن أيها " الإحساس " نبضاً ناطقاً لفظاً وحرفاً لنستشعر معك آدميتنا . ما أروعك أيها الزائر الجميل ..! ففى حضورك تُنبِت اليابسة زهر الياسمين الخجول ذى الوريقات البيضاء الملساء ، فإذا ما عانقه النسيم أهداك عطر الحياه، لتَعِش فردوسك فى لحظات حلوله . فلا تَزِج ب " إحساسك " إلى قبو أيامك ، مُكمِماً ثغره المُعاتب على نكرانك له وتخليك عن ملازمته . مع عودته تتعلم قيمتك . فكلما انخرطت فى خطوط كفيه ، انطلق أنين الكلمات ..هل سبق لك أن انفردت بمشاعرك وخصصت لها جلسات عناية خاصة ؟ أدعوك أن تُخرِج تابوت أيامك مُفتشاً عن ذلك الاحساس المُرتهَن . أَعلم أنه ليس زمن المشاعر ولكن لابد للغائب من عودة مُطالباً بإطلاق السراح . يا له من زمن تتساقط فيه حبات القلوب دون الشعور بفداحة التفريط .أرأيت كم هى مقيتة تلك الخطى المترنحة على درب التنازل ؟ فلا تكن بلا مشاعر ، ولا تدع ذاتك تغترب بداخلك مُهاجِرة إلى أبعد مدى حتى تسير مع الرَكب فحسب . فما أقساها " غُربة " الذات ، فتكون كالذى يركض فى دنياه حاملاً ذلك التابوت الذى يحوى جُثماناً لا يتحلل ولا تدُب به الحياه من جديد ، لذا دعونا نُنَدى أرواحنا بأهم مكتسباتها حتى لا تَذبُل ورودها ويَجِف فيضها ويَنذوى جمالها، فعندما يستقر (الإحساس) على عرش الذات يتقطر إبداعها ويتوهج جمالها وتنفتح خزائنها الثمينة. فلنُضمِد جروحنا ونُوقِف نزيف الإغتراب بداخلنا ، ومهما نأى وهجر وأغترب "إحساسنا" بفعل موجة عاتية من رياح التقشف الشعورى ، سيظل هو الخاصية الحيوية التى تميزنا عن باقى المخلوقات ، و"مَدد" الروح الذى يُفرِغ زُبَد الإبداع فى كؤوس المُتَلقين وعلى أسطر الزمن تاركاً بصماته الفيروزية على شاطئى الروح والقلب ..... شيرين ماهر شيرين ماهر