آمن الجميع تماماً أن مرتكبي الحوادث الإرهابية في فرنسا مسلمين، حتى المسلمين صدقوا أنهم مسلمين، ولم يجرؤ إلا قليلون في طرح نظرية المؤامرة على الموقف ككل، واتهام جهات أخرى بإرتكاب الواقعة الإرهابية للإساءة إلى الإسلام، أما المسلمين المختلفين فيما بينهم كالعادة فيرى القليل منهم أن المقتولين يستحقون القتل لإساءتهم للرسول، ويرى آخرون أن الرد على الفكر يكون بالفكر، ونزل بعض غريبوا الأطوار ليتضامنوا مع الجريدة، وهذا من باب الدفاع عن حرية التعبير، على الرغم من ان الدول العظمى تعترض تماما على السخرية من اليهود قائلين أنها معاداة للسامية، ويعترضون على السخرية من السود على إعتبار أنها عنصرية ضد السود...وهكذا، فلماذا يوافقون على العنصرية ضد المسلمين؟ وفي هذا الصدد وجه غاندي لنا سؤالاً فلسفياً عميقاً عندما قال: إذا قابلت الإساءة بالإساءة، فمتى تنتهي الإساءة؟ أي أنه كان يفترض أنك إذا تعرضت للإساءة من شخص ما، ثم انتقمت منه فإن هناك بالضرورة من سيأتي لينتقم منك، ثم يأتي من ينتقم لك .. وهكذا دواليك. ولم يختلف رأي الأمريكي "دوجلاس هورتون" كثيراً فقال ليوضح الأمر لنا أكثر: في سعيك للإنتقام احفر قبرين...أحدهما لك". أما سيدنا يوسف عليه السلام لم يطرح آراءً أو شعارات, بل ضرب لنا مثالاً عملياً لكيفية التعامل مع المسئ، وهذا عندما قال لإخوته الذين خططوا لقتله ثم ألقوه في البئر ليتخلصوا منه "لا تثريب عليكم اليوم، يغفر الله لكم وهو أرحم الرحمين" علماً بأنه كان يملك القوة التي تسمح له بالبطش بهم آنذاك، و كانت نتيجة تسامحه هذا هو انقلاب كره اخوته له إلى محبة وود. وقال لنا المسيح من بعده: لا تقاوموا الشر بمثله، بل ذهب في تسامحه إلى أبعد من ذلك حين قال " أحبوا أعداءكم، باركوا لاعنيكم، أحسنوا إلى مبغضيكم، وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم". ولو كان العنف أحد خيارات الإسلام لما قال ربنا لرسوله الكريم "وما أرسلناك إلا رحمةً للعالمين". وخلاصة ما سبق أن الأديان السماوية، والعقول البشرية السوية اتفقت على رفض الإساءة من الأساس، ورفض الرد على الإساءة بمثلها. والسؤال هنا: هل إذا أساء سفيه إلى رسولنا الكريم كان واجباً علينا قتله؟ بالتأكيد لا، والدليل على ذلك هو أن الرسول محمداً صلى الله عليه وسلم تعرض لكل أنواع الأذى و الإساءة و السخرية من كفار مكة، فقالوا عنه كاذب و ساحر وكاهن، وذكرت تلك الإساءات في القران الكريم، و على الرغم من ذلك سامحهم عليه الصلاة و السلام بعد أن أصبح قادراً على الإنتقام قائلاً مقولته الخالدة "إذهبوا فأنتم الطلقاء"، وحتى عندما عرض عليه "جبريل" أن يطبق الجبلين على أهل الطائف الذين طردوه وضربوه بالحجارة، إعترض عليه الصلاة والسلام آملاً في أن يخرج من أصلابهم من هم خير منهم، والأمثلة كثيرة. والإفتراض الثاني هو: لماذا لم ينتقم الله لرسوله من كل من سخر منه في حياته؟ والإجابة هي: ليعلمنا الصبر، والدعوة إلى سبيل ربنا بالحكمة و الموعظة الحسنة، وأن نجادل مخالفينا في الرأي بالحسنى. أما القتل و إطلاق الرصاص فهو أبعد ما يكون عن ديننا الكريم، وما هو إلا محاولات لإقحام الإسلام في معارك سياسية لا أكثر، وللتوضيح لا أكثر فإن الإرهاب هو الإستخدام الغير قانوني للعنف والتخويف لتحقيق أهداف سياسية، أياً كانت ديانة مرتكب هذا العنف، أي أن الإرهاب لا يعني التطرف الإسلامي، الإرهاب لا دين له, ولهذا فنحن ضد الإرهاب ولسنا متضامنين مع من سبقوا بالإساءة. المشهد.. لا سقف للحرية المشهد.. لا سقف للحرية