يوميات جحيم غزة وجنتها في وداع شهيد آخر(37) غزة خانيونس، مخيم خانيونس 25/07/2014
فجرا، لن نكل ولن نمل من استقبال الشهداء والصلاة عليهم وتوديعهم،واحدا من الطقوس اليومية المتكررة في هذه الحرب الوحشية. خرج محمد الخطيب فجرا، الجمعة الأخيرة في رمضان، وعاد مبكرا مضرجا بدمه الأحمر القاني وشظية صاروخ اخترقت جبهته وتركت ثقبا واسعا،باغتته الزنانة فقتلته بعيدا ووحيدا ، كان وحيدا في حياته ، لا يحب كثرة الاختلاط! شاب وسيم ومؤدب ، دمث الاخلاق قليل الكلام ، جار جديد لاهلي،اشترى البيت منذ سنوات قليلة ، بيت صغير ، رممه ليليق به وبزوجته وبناته الثلاتة والتي أخرهن شرفت الدنيا قبل 20 يوما فقط . كان يود أن يعيش مستورا في كنف هذه الأسرة ،لم يفرح كثيرا ببيته ولا بطفلته الصغيرة ، لم يعلمها بعد المناغاة وأن تحبوا على الأرض ، كما لم يُعلم بنتيه بعد مباديء الكتابة والقراءة والنطق بالكلمات، يرافقه أخيه الطيب العريس الجديد في السكن،مازال مثقلا بالديون بسبب هذا البيت ، من يقضي الدين عن الشهيد؟ كيف سيدخل الجنة وهو مثقل بالديون ؟ هرع عمه وجلا حزينا يسأل الشيخ قبل صلاة الجمعة والجنازة ،ترك بناته الثلاث وحيدات الا من رحمة الله وقليل من المحسنين،تركهن لزوجته الشابة قليلة الحيلة والخبرة والامكانيات لتتدبر أمور حياتها مع صغيراتها،كيف ستقص عليهن سيرة والدهن وقصة استشهاده. ماذا ستخبرهن عن أخلاق وطيبة والدهن،كيف ستعلمهن أن ينطقن بكلمة بابا دون أن يرين لهن أبا. وصلت جنازة الشهيد الى المسجد محمولة على أكتاف أقرانه الشباب وهم يتحسبنون بالله على من ظلمهم ،طمأن الشيخ عمه الجزل بأن الله يتكفل بدين الشهيد ويغفر له منذ أول نقطة دم تنزف منه الى الارض الطيبة، ألا يوجد حلول أخرى دنيوية!!! ارتاح عم الشهيد وتنفس الصعداء وهدأت سريرته لهذه الفتوى السريعة. صلينا على الشهيد بنية الصلاة على كل شهداء الحرب على غزة ، أجور كثيرة وقراريط من حسنات للمصلين والمشاركين في الجنازات. خرج الشهيد من المسجد محمولا على أكتاف الشباب ، ينشدون ويلوحون بالرايات،هذه طريق الشهيد والشهادة . هذه طريقنا التي اخترناها أو اختارتنا!!! يقول أحمد سراج ، الكاتب والشاعر المصري وهو يكتب لغزة في ظلام حافلة تقطع الصحراء من الرياض إلي المدينةالمنورة : غزة أم الشهداء كما يقول هذا الناقد الكبير: قف صامدا قاوم حصارك بالشهادة عمد بلادك بالجراح أرسل لربك بالدماء هذا جزائي يا أبي ذئب يجرعني النهاش وأخي صموت كالحذاء كما ينشد شاعرنا متألما : لا الدمع يفنى ولا الأيام تنقلب إنا عراة ووجه الحر مغتصب ويتحدى شاعرنا بجرأة هذا القاتل كتحدي أهل غزة للمحتلين الطغاة ، فينشد ويقول: يا موت لا تجزع كثيرا خذ من تشاء بلا وجل طفلا تريد 0م ال0جنة؟ شيخا تشاء 0م النساء؟ فحديقة الشهداء غزة املأ يديك إلى الثمالة وابتسم فحديقة الأعراس ملأى انزل خفيفا أو ثقيلا دمنا مشاع اضرب بجوع أو قنابل دمنا مشاع ------------- هدنة انسانية بطعم العلقم (38) 26/07/2014 غزة، خانيونس المعسكر/القرارة منذ ليلة الأمس والنازحون ينتظرون ما سيعلن عنه بشأن الهدنة ، مدتها ومضمونها،تمخض الجبل فولد هدنة لمدة 12 ساعة فقط تحت سمع وتحليق الزنانة التي تحوم فوق رؤوسنا كالغربان. فجرا،نفر النازحون في زرافات من غرب خانيونس الى شرقها، الى خزاعة المنكوبة وعبسان المهدمة والقرارة التي تئن وجع فراق الأحبة.طابور طويل ومتواصل من الرجال والنساء يمشون على الأقدام، لم نصطحب معنا الابناء خوفا عليهم ، السيارات وعربات التكتك والكارو تشارك أيضا في نقل النازحين الى مناطقهم،يوم كيوم النفرة من عرفات ، والافاضة من المزدلفة ، حيث يكبر المسلمون ويهللون، ولكن النازحين وجلين ومتوجسين ومذهولين،كيف سيكون حال بيوتنا؟ هل سنجدها واقفة ام كومة من تراب؟ وصلت القرارة مع زوجتي وجيراننا راكبين التكتك بعد أن قطعنا المسافة منمخيم خانيونس الى وسط المدينة مشيا على الاقدام تحت حرارة الشمس الحارقة . زوجتي مذهولة ومستغربة، أتركب هي التكتك !!! لم تبق لها الحاجة والتعب والعطش و ألم المفاصل مجالا للرفض او التعليق!!! وصلنا القرارة ودخلنا بيتنا وحمدنا الله أنه لم يتعرض للقصف مرة أخرى (كما نعتقد) كما أشيع منذ 3 أيام ،كان أملنا الآخر أن نقضي حاجتنا ونستحم لان المياه في المعسكر مقطوعة منذ 3 ايام ،ذهبت آمالنا أدراج الرياح ، فالخزانات مثقبة والموتور لم يستطع رفع المياه، ضاع حلمنا في حمام بارد او ساخن وبقينا نشكو رائحة الحرق المختلط معالتراب. تفقدنا البيت ، جمعنا المواد الفاسدة والزبالة وأخرجناها منداخل الثلاجة ومن البيت ، لامسنا الجدران ونظرنا نظرة عابرة من الشرفات علىالفراغ الحزين! أحزنني منظر شجرة التمر حنة على باب المنزل وهي محروقة وشجرة العنب وهي ناكسة رأسها مقطعة الأغصان!! جمعنا الكثير من اوراقنا الهامة والرسمية وبعض من ملابس الأولاد ووو............، المفاجأة كانت أن شجرة التين قد نضجت ثمارها ، تمنيت لو لم يكن اليوم يوم صيام حتى أقطف واحدة وأتذوقها، نفسي أكل حبة تين! كنت أنوي أن أجمعها، ولكن حضور ابن عمي أبو بسام ليطمئن علينا وفرصة العودة راكبين سيارة أنستنيالتين وطعمه اللذيذ. استودعنا الله بيوتنا ، على أمل أن نلقاها في هدنة انسانية أطول قد يمنحنا اياها مؤتمر باريس،النازحون في انتظار نتائج مؤتمر باريس ، يا للهول!!! سمح لسيارات الاسعاف للدخول الى المناطق المنكوبة وقت الهدنة فكانتالحصيلة 130 شهيدا فقط ، بعضهم قد بدت عليه علامات التحلل وبعضهم كانمحروقا أو مقطع الى أشلاء. السادسة مساء ، الكابنيت الاسرائيلي يدرسمبادرة لتمديد وقف اطلاق النار لمدة 4 ساعات أخرى بعد أن اتفق المجتمعون فيباريس (أصدقاؤنا) على مواصلة الضغط على الطرفين من أجل وقف متبادل لاطلاقالنار؟! -------- رباح والجنية اليهودية!(39) غزة خانيونس، الزنة 27/07/2014 في وداع الشهيد بعد عدة أيام من استشهاده في زمن الحرب،أربعة افراد من عائلته دفنوه على عجل في فسقية العائلة ، اليوم هدنة جديدة بدءا من الساعة الثانية من بعد الظهر ،رباح شاب طيب يعمل في البلاط والدهان،تلبسته جنية يهودية ، هكذا تُفسر معظم الأمراض النفسية في بلاد العرب المتقدمة جدا. احتلت قوات الجيش الاسرائيلي منطقة الزنة شرق القرارة ،لم تسمح الجنية اليهودية لرباح أن يغادر الزنة أسوة بباقي خلق الناس،،طمأنته الجنية أن أهلها وأخوتها اليهود لن يمسوه بسوء. أشعل رباح سراج الضوء وبدأ يعد له إفطارا في يوم من أيام العشرة الأخيرة من رمضان،طبق من السلطة وكوب شاي،لاحظ المحتل شعاع الضوء من ثقب الشباك ، فأرسل طلقة من رشاشه الألفي لكي تهشم جمجمة رباح،لم يرحموا ابنتهم الجنية ولم يرحموا رباح. نزف رباح ولم تتمكن سيارات الاسعاف من دخول المنطقة لاسعافه،ترك لجنيته اليهودية ،قتلته ولكنها لم تمت ،هي تبحث عن فريسة أخرى لكي تروي شغف قلبها من دم الفلسطيني. تُرك رباح خمسة أيام من أيام الصيف القائضة،انتفخ بطنه وتفسخ جلده وكانت الروائح تنبعث من المكان عسى أن تقتل هذه الجنية التي قتلته،وجدوه وقد زحف من المطبخ حيث كان يعد عشاءه الأخير الى البرندة حيث الهواء العليل. مات رباح،ولم تمت الجنية اليهودية! اضغط هنا لمشاهدة الملف بالحجم الكامل