هل ينهي تغليظ قانون مكافحة التحرش الذي صدر مؤخراً الظاهرة غير الأخلاقيةالمتفشية في الشارع المصري ؟ المتحرش بموجب القانون الجديد مهدد بعقوبة الحبس بين 6 أشهر وخمس سنوات وغرامة مالية كبيرة. في دول أخرى تعد هذه العقوبات رادعة تماماً وكفيلة بوضع حد لوصمة العار التي تطاردنا جراء أفعال مشينة يرتكبها جهلاء وضعيفو الوازع الخلقي والديني. ولكن في مصر الوضع مختلف ولو كانت القوانين تحل المشكلات لما عانى المصريون من مشكلة واحدة ولتحولنا إلى سويسرا أخرى التي يضرب بها المثل في السلم والأمان. فلدينا ترسانة من القوانين لاتجدها في دولة أخرى، ومع ذلك فالفوضى القانونية تحبط كل جهد وتبدد كل فرصة في الاحتفاظ للقوانين والتشريعات بالحسم والقوة اللازمين لإنفاذها كسلاح ماضٍ. كما أن القبضة المرتخية التي تترك المخطئ يرتع والعين التي تغض الطرف حسب الظروف وموازين القوة بين الجاني والضحية جعلت القوانين مجرد نصوص على أوراق تسخر ممن وضعها. تحتل مصر للأسف مرتبة بالغة السوء على قائمة البلدان الأقل احتراماً لحقوق المرأة ولا شك أن تفشي ظاهرة التحرش أحد تجليات هذه الوضعية. وقد روعنا في السنوات الأخيرة على الأخص بتصاعد حالات التحرش على نحو غير مسبوق كما روعنا بظاهرة أشد خطراً هي التحرش الجماعي الذي تقدم عليه مجموعات من الصبية والشباب في مناسبات بعينها ولاسيما أثناء الأعياد. وبعد أن كانت هذه المناسبات متنفس للاسر بسيداتها وفتياتها للخروج إلى المتنزهات أصبحت مصيدة توقع بهن بين براثن السفهاء الذين لايجدون رادعاً أمنياً أو مجتمعياً. لقد ظل قانون مكافح التحرش في أروقة البحث والنقاش بين الجهات المعنية لفترة طويلة فيما كانت سمعة مصر تتمرغ في الأوحال جراء حوادث تحرش وقعت في الميادين وأثناء التظاهرات ونال المصريات وغير المصريات على السواء نصيبهن من هذا العدوان. وعلى الرغم من الجهود التي تبذلها قوى المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية المعنية تظل هذه الظاهرة لسبب أو لأسباب ما عصية على المواجهة ويابى مرتكبوها الارتداع عما يفعلونه. التراكم والموروث الثقافي البالي من عادات مجحفة وتقاليد ظالمة ساهما في تفاقم جريمة التحرش. فالجاني يجد من التبريرات الرعناء والمواقف التي تتسم بالجبن ما يبرئ ساحته فيما تتلقى الضحية اللوم والتقريع وكأن مجرد تواجدها في مسرح الجريمة- الذي هو الشارع الذي يسير فيه جميع البشر- تجاوزاً تستحق عليه العقاب بل وإجراماً يجعلها أصل الشرور. تعددت الحوادث والانتهاكات وأصبح بعضها مادة خصبة لوسائل الإعلام العالمية استغلتها لمواصلة الهجوم وترسيخ الصورة النمطية لمصر كبلد يزدري المرأة ويقمعها وينتهك حقوقها. وصارت القضية عنوانا ثابتاً في وسائل الإعلام المحلية خاصة مع التغيرات غير المواتية التي عايشها المجتمع المصري وطفت معها على السطح ممارسات منحطة لم يقو الوضع الأمني المتهالك حينها على التصدي لها بحزم. أخيراً جداً عرف مشروع قانون تغليظ العقوبات المتعلقة بجريمة التحرش طريقه إلى النور. ليصوب قانوناً صدر عام 1937 وظل على حاله فيما الجريمة تستفحل والمجتمع تتغير معاييره وقيمه وأخلاقيات أبنائه حتى بات مجتمعاً يختلف كلياً عن ذلك الذي عاصر ثلاثينات القرن الماضي والذي صيغ القانون القديم ليوائم سلوكياته. يواكب تغليظ عقوبات التحرش وعوداً أعلنها الرئيس المنتخب وتوصية حرص عليها الرئيس المؤقت في ختام مدته في موقعه. وهو يواكب أيضاص يقظة بين النساء والفتيات عبرت عن نفسها بتشكيل حركات مناهضة للتحرش. تبذل عضوات هذه الحركات جهداً ونشاطاً في حدود قدراتهن وإن كان بالمقدور أن يصبحن أكثر تأثيراً إذا وجدن التفافاً وتشجيعاً من شرفاء المواطنين من الجنسين. وإذا قام الفن بدوره في هذا الاتجاه. لقد ظهرت أعمال قليلة أشبه بالنبضات الخافتة في اتجاه تغيير مفاهيم المجتمع وتصويب سلوكياته بشأن التحرش ولاسيما التوقف عن التعصب المقيت ضد الضحايا ومنحهن حقهن في الحماية والتفهم والاحتواء. لكن هذه المهمة أجسم من أن يضطلع بها عمل درامي وحيد أو فيلم وثائقي مفرد أو غنية لا ثاني لها. لابد من حملة متصلة متعددة القنوات حتى يجد القانون أرضاً لبة ومجتمعاً صالحاً لاستقباله واحترامه وتفعيله.