مضى الانفصاليون قدما في إجراء استفتاء على الحكم الذاتي في شرق أوكرانيا يوم الأحد بينما تجدد القتال في صراع أثار مخاوف من تفتت البلاد ودفع روسيا والغرب إلى أجواء حرب باردة جديدة. وقال زعيم انفصالي إن المنطقة ستشكل مؤسساتها الخاصة بها وجيشها بعد الاستفتاء ليضفي طابعا رسميا على انقسام بدأ مع استيلاء مسلحين موالين لروسيا على المباني الحكومية في نحو عشر مدن بشرق البلاد الشهر الماضي. وتتناقض الصورة الاحتفالية في مراكز الاقتراع التي أقيمت على عجل في بعض المناطق مع التداعيات الخطيرة للحدث. وفي مناطق أخرى اندلعت مناوشات مسلحة بين قوات الأمن وانفصاليين على بطاقات الاقتراع والسيطرة على برج للبث التلفزيوني. وفي ميناء ماريوبول بجنوب شرق أوكرانيا الذي شهد قتالا شرسا الأسبوع الماضي كانت هناك ثمانية مراكز اقتراع فقط في المدينة التي يبلغ عدد سكانها نحو نصف مليون نسمة. وامتدت صفوف الناخبين إلى مئات الأمتار في جو مشمس وكانت الروح المعنوية عالية عندما اكتظ أحد مراكز الاقتراع بالناخبين ووضعت صناديق الاقتراع في الشارع. وفي الضواحي الشرقية وبعد أكثر قليلا من ساعة من فتح مراكز الاقتراع ضبط جنود من كييف ما قالوا انها بطاقات اقتراع مزيفة تحمل كلمة نعم واحتجزوا رجلين. ورفض الجنود تسليمهما لرجال الشرطة الذين حضروا لاقتيادهما قائلين انهم لا يثقون بهم. وبدلا من ذلك انتظروا حتى حضر ضباط من جهاز أمن الدولة لاستجوابهما واعتقالهما. وعلى بعد نحو 200 كيلومتر الى الشمال اندلعت الاشتباكات حول برج للبث التلفزيوني على مشارف مدينة سلافيانسك معقل الانفصاليين قبل وقت قصير من بدء توجه الناخبين إلى مراكز الاقتراع واجتيازهم طرقا مغلقة بمتاريس من الأشجار والإطارات. وقال جينيا دنيش وهو طالب يبلغ من العمر 20 عاما كان ثاني شخص يدلي بصوته في مبنى جامعي "أردت أن أحضر مبكرا قدر الإمكان.. جميعنا نريد أن نعيش في بلد خاص بنا." وردا على سؤال حول ما يتوقع أن يحدث بعد الاستفتاء قال "ستظل الحرب قائمة." وهدد زعماء غربيون بفرض المزيد من العقوبات على روسيا في مجالات مهمة كالطاقة والخدمات المالية والهندسية إذا مضت في جهود يقولون إنها تقوض استقرار أوكرانيا. وقد يتم اتخاذ بعض الاجراءات المحدودة بحلول غد الاثنين ويحد منها مقاومة الاتحاد الأوروبي لاضعاف العلاقات التجارية مع روسيا. وتنفي موسكو أي دور لها في التمرد أو أي طموحات لضم شرق أوكرانيا وهو مركز صناعي يتحدث غالبية سكانه اللغة الروسية إلى الاتحاد الروسي بعدما ضمت شبه جزيرة القرم في أعقاب استفتاء جرى في مارس آذار. ووصفت وزارة الداخلية الأوكرانية الاستفتاء بأنه مهزلة إجرامية وقالت إن بطاقات الاقتراع المستخدمة فيه "ملطخة بالدماء" . وقال مسؤول إن ثلثي سكان المنطقة رفضوا المشاركة. واتسمت عملية التصويت بعدم التنظيم. وجرى طبع بطاقات الاقتراع في مدينتي لوهانسك ودونتيسك اللتين أطلقتا على نفسيهما اسم "جمهورية دونيتسك الشعبية" دون احتياطات أمنية. كما اقتصرت مراكز التصويت على مناطق محددة وسادت حالة من الارتباك بشأن ما الذي يجب أن يصوت الناس بشأنه على وجه التحديد. وقال سيرجي وهو مهندس يبلغ من العمر 33 عاما وهو يدلي بصوته في بلدة ماريوبول إنه سيصوت بنعم على السؤال المكتوب باللغتين الروسية والأوكرانية في ورقة التصويت وهو "هل تؤيد الحكم الذاتي لجمهورية دونيتسك الشعبية؟" وأضاف "كلنا نؤيد استقلال جمهورية دونيتسك.. إن هذا يعني تجاوز الحكومة (الأوكرانية) الفاشية الموالية لأمريكا والتي لم تجلب خيرا لأحد." الحكم الذاتي والاستقلال والضم لكن في نفس طابور الناخبين قالت ايرينا (54 عاما) إنها تعتبر التصويت بالموافقة تصديقا على الحكم الذاتي داخل أوكرانيا. وأضافت "أريد أن تكون لدونيتسك سلطاتها الخاصة.. نوع ما من الحكم الذاتي.. منفصل عن كييف. أنا لست ضد أوكرانيا موحدة لكن ليس تحت أولئك الناس الذين لم نختارهم.. الذين استولوا على السلطة وسيقوضون البلاد." ويرى آخرون التصويت كإشارة موافقة على الاستيعاب من جانب روسيا. ويفضل المتمردون الأبرز خيار الضم لكن الغموض قد يعكس مخاوفهم من أن الدعوة صراحة إلى "استقلال" كامل قد لا تلقى التأييد الذي يسعون إليه وقد تتركهم في موقف مكشوف أمام كييف. وجاءت الحكومة الحالية للسلطة حين أطاحت احتجاجات حاشدة في كييف بالرئيس فيكتور يانوكوفيتش في فبراير شباط. وغضب النشطاء المؤيدون للغرب من قرار يانوكوفيتش تجاهل اتفاقية تعاون مع الاتحاد الأوروبي في مقابل توطيد العلاقات مع موسكو. ويتهمونه أيضا بفساد واسع يخترق كل مجالات الدولة الأوكرانية. ومن المقرر أن ينتهي التصويت في الاستفتاء الذي رتب له على عجل في 53 موقعا الساعة العاشرة مساء (1900 بتوقيت جرينتش) ويأمل المتمردون اكتمال فرز الأصوات بحلول عصر الاثنين رغم أن النتيجة لن تلقى اعترافا واسعا لا على المستوى الدولي ولا من كييف. وبطريقة أو بأخرى فمن المرجح أن تظهر النتيجة موافقة بنسبة كبيرة وقال أحد الانفصاليين إنهم سيتحركون سريعا بشأن الخطوة التالية. ونقلت وكالة انترفاكس للأنباء عن دينيس بوشيلين زعيم جمهورية دونيتسك المعلنة من جانب واحد قوله "كل القوات العسكرية على ارضنا بعد الاعلان الرسمي لنتائج الاستفتاء ستعتبر غير شرعية وسيعتبرون كمحتلين." وأضاف "من الضروري تشكيل هيئات الدولة والسلطات العسكرية بأسرع ما يمكن." وحشدت موسكو قوات على الحدود وتخشى كييف دعوة تلك القوات للدخول كجنود لحفظ السلام. وقال سيرهي باشينسكي رئيس الادارة الرئاسية الأوكرانية إن رتلا من العربات المدرعة على الجانب الروسي من الحدود يحمل ألوان قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة. ولم يعط دليلا أو تفاصيل. وقال للصحفيين "نحذر الكرملين من أن ظهور تلك القوات على أراضي أوكرانيا سيعتبر عدوانا عسكريا وسنرد مثلما نرد في حالة عدوان عسكري." وحث الرئيس الأوكراني المؤقت اولكسندر تيرتشينوف الزعماء السياسيين الشرقيين على الانضمام الى مناقشات "دائرة مستديرة" حول تداول السلطة في أوكرانيا. لكنه قال إنه لن يتفاوض مع "ارهابيين" وهو مصطلح يهدف إلى استبعاد أبرز زعماء المتمردين. وقال باشينسكي إن القوات الأوكرانية "دمرت" قاعدة انفصالية ونقاط تفتيش في عملية واسعة حول سلافيانسك وكراماتورسك القريبة ردا على هجمات على مواقعها. وأضاف في مؤتمر صحفي "هذا ليس استفتاء. هذه محاولة طائشة من القتلة والإرهابيين للتغطية على نشاطهم." ومضى استفتاء الاحد قدما رغم دعوة من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى تأجيله في تحرك أثار الآمال في خفض التوتر. ويقول المتمردون في الشرق والكرملين إن حكومة كييف المؤيدة لأوروبا والتي خلفت يانوكوفيتش تفتقر للشرعية. وتهدف كييف إلى اغلاق الباب أمام مثل هذه التساؤلات باجراء انتخابات رئاسية يوم 25 مايو أيار وتقول الدول الغربية إنها ستفرض عقوبات كاسحة على روسيا إذا حاولت تعطيل الانتخابات. وأبلغ تيرتشينوف المناطق الشرقية الموالية لروسيا يوم السبت بأنها إذا اتجهت نحو الانفصال فإنها ستكون خطوة نحو الهاوية والانهيار الاقتصادي. وقالت شركة ميتينفست إنها نشرت ميليشيا من المتطوعين في مدينة ماريوبول بشرق أوكرانيا وإنها تضم عمالا في مصانع الصلب. ويملك رينات اخميتوف أحد أغنى رجال الأعمال الأوكرانيين أسهما في الشركة التي تعمل في مجال الفحم وصناعة الصلب.