قال المهندس عادل فقيه وزير العمل السعودي إن قضية البطالة واستراتيجيات القضاء عليها أصبحت من المحاور التي تهم الجميع وأنه لا يمكن لجهود منفردة أن تحقق النتائج المرجوة في التعامل مع قضايا التنمية والتشغيل، دون مشاركة الجميع، خاصة الاقتصاديين والاجتماعيين وغرف التجارة والصناعة والاتحادات العمالية، وأصحاب الفكر المستنير. جاء ذلك فى كلمته الافتتاحية مساء اليوم لأعمال المنتدى العربي الثاني للتنمية والتشغيل بمشاركة 21 وفدا عربيا من بينهم مصر و55 وفدا لمنظمات واتحادات نقابية ومجالس أعمال تمثل أطراف العمل "الحكومة، وصاحب العمل، والعمال". وأكد وزير العمل السعودي ضرورة تحقيق ما تصبو إليه شعوب المنطقة العربية، التي قال إنها تتطلع باهتمام لهذا الاجتماع باعتباره أملا ننشده جميعا في تحقيق تنمية مستدامة وحماية اجتماعية شاملة. ونوه بأهمية المنتدى العربي الثاني للتنمية والتشغيل، والتي تأتى من كونه وسيلة ؛ لتحقيق أهداف وطموحات أبناء الأمة وشبابها، مشيرا إلى إن المملكة تقدر جهود المشاركين ، والدور المحوري الذي تقوم به منظمة العمل العربية في توحيد الجهود، ومبادرتها بعقد هذا المنتدى، وحشد الدعم العالمي له، المتمثل في هذا العدد من المسؤولين عن صناعة القرار في الوطن العربي، والمنظمات الدولية والمؤسسات العربية والعالمية. من جانبه، قال الدكتور نبيل العربي أمين عام جامعة الدول العربية أن فرص نجاح سياسات مكافحة البطالة تزداد مع ازدياد التعاون بشكل فاعل، مؤكدا أن مكافحة البطالة تتطلب توفير فرص عمل جديدة لتقليص معدلات الفقر والبطالة، لافتا إلى أن سوق العمل تتطلب توفير 5 ملايين فرصة سنويا لاستيعاب الداخلين للعمل. وأشار فى كلمته بمنتدى التشغيل التي ألقاها نيابة عنه الأمين العام المساعد للشؤون الاقتصادية في جامعة الدول العربية الدكتور محمد بن إبراهيم التويجري إن الدول العربية لا تزال تواجه مشاكل الفقر والبطالة وعدم مواكبة المخرجات التعليمية بمتطلبات التنمية وعدم الاستخدام الأمثل للموارد محذرا من أن معدل البطالة مرشحة للتفاقم في جميع دول العالم بسبب ارتفاع نسبة النمو السكاني. بدورها، أكدت نائب رئيس البنك الدولي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا انجر أندرسون أن التشغيل والوصول إلى سوق العمل هو شكل أساسي من المشاركة الاجتماعية ومصدرا مهما من تحقيق وتقدير الذات. وأشارت إلى ضرورة فهم مسببات البطالة لفهم السياسات التي تعزز المشكلة ، لافتة إلى أن الاقتصاد لم يكن قادرا على توفير فرص عمل لعدد المتقدمين التى وصفتهم بالقليل جدا ، حيث أن البطالة مرتفعة بنسبة 54% للأفراد ما بين عمر15-64 . ونقلت أندرسون عن دراسة بنكية عالمية بعنوان"الوظائف من أجل الرخاء المشترك"أن القواعد والحوافز التي تحكم أسواق العمل في البلدان العربية أدت إلى نتائج غير فعالة وغير منصفة ، مقترحة أن يعمل بالاستراتيجات التالية " السياسات المحفزة على المنافسة واستثمارات القطاع الخاص لخلق فرص عمل ، و موازنة ظروف التوظيف حيث يتنافس القطاع الخاص والعام على مستوى متقارب ، و إغلاق الثغرات في المعلومات من خلال الجدارة والخيارات المهنية وخلق فرصة ثانية ، وكسر حلقة الفئات المحرومة. من جانبه أكد أحمد لقمان مدير عام منظمة العمل العربية أن المنتدى يهدف للربط بين "التنمية" و"التشغيل" على مستوى المضامين والخطط والبرامج وفق منظور تتكامل فيه كل المكونات كما أنه يمثل إطاراً أوسع للشراكة بين كل الفاعلين السياسيين والاقتصاديين والاجتماعيين ومنظمات أصحاب العمل والعمال ومؤسسات المجتمع المدني لمعالجة قضايا التشغيل والبطالة وفق رؤية تشاركية ، تضامنية ، مكتملة الأبعاد. وقال إن انعقاد هذه الدورة الثانية للمنتدى العربى اليوم في الرياض بحضور قيادات عليا من مختلف وزارات الاقتصاد والتخطيط والتعليم والتكوين والعمل وقيادات منظمات أصحاب العمل والعمال وقيادات منظمات دولية وعربية ونخبة من الخبراء والمهتمين من مختلف التخصصات ، ليس للوقوف على واقع سوق العمل فحسب ، بل - وهو الأهم- تشخيص مسببات البطالة والإحاطة بمختلف أبعادها وتبادل الآراء والخبرات قصد بلورة أفضل الحلول للحد من هذه المعضلة في إطار جهد جماعي متماسك كل له دوره فيه لافتا إلى أن هذه الدورة تكتسى بمكانة بالغة لما شهدته بعض دولنا العربية من تحولات هامة فى السنوات الثلاثة الأخيرة. وألمح إلى أن المنتدى الأول والذى عقد في الدوحة في العام 2008 جاء على خلفية ان معدل البطالة قدر ب 14 %، مشيرا إلى أن المعدل العام للبطالة حاليا قفز إلى حوالي 17 % بسبب الظروف الاستثنائية التي تمر بها عديد من دولنا العربية وانعكاساتها الأمنية والاقتصادية والاجتماعية التي زادت من حدة البطالة وجعلت الوضع الاجتماعي بمختلف تجليّاته أكثر صعوبة. وقال إن الحراك الشعبي منذ نهاية 2010 كشف عن مدى حدة البطالة التى تعتبر مشكلة مزمنة ومتراكمة تعود إلى العديد من الأسباب أهمها العوامل الديمجرافية التى تتسم بارتفاع معدل النمو السكاني (بالرغم من تراجعه تدريجيا) المقدّر ب 2.4 % سنويا ، وهو ما يفسر في جانب آخر ارتفاع معدل الإعالة للشريحة العمرية دون 15 سنة التي تمثل 33.8 % ؛ كما تتسم أيضا بتواصل نمو القوى العاملة بمعدل 3.1 % سنويا بحكم التزايد السكاني المرتفع في الأعوام الماضية، وهو ما يزيد من الضغوط على سوق العمل . كما أن التطور المتنامي لمعدل نشاط المرأة المقدر في المتوسط العام ب 20 % بحكم توسع التعليم والارتقاء بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمرأة. إلا أن حصة المرأة في سوق العمل ظلت متواضعة حيث تقدّر ب 32 % في المتوسط العام (مقابل معدل عالمي ب 40.3 %). كذلك العوامل الاقتصادية التى لم تساعد على تنمية التشغيل والحد من البطالة نظرا لتواضع معدل الاستثمار الإجمالى حيث لا يتجاوز 23.5 % من الناتج المحلي الإجمالي في 2011 وفق تقرير صندوق النقد العربي للعام 2012 (مقابل 38 % في دول شرق آسيا) ، واستقرار معدل الاستثمار الخاص في حدود 14 % نسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي (مقابل 29 % في دول شرق آسيا مثلا). وأضاف انه من ضمن العوامل الاقتصادية غير المساعدة على النهوض بالتشغيل تقلبات معدل النمو الاقتصادي الذي لم يتجاوز في المعدل العام 5 % منذ سنة 2000. وقد تراجع هذا المعدل في 2011 إلى 2.4 %. مؤكدا ان هذه النسب غير قادرة على توليد فرص العمل المطلوبة والمقدرة ب5 ملايين سنويا لاستيعاب الداخلين الجدد إلى سوق العمل، وامتصاص مخزون البطالة. كماأشار إلى محدودية قدرة الاقتصاديات العربية على توفير فرص عمل تتناسب مع التطور النوعي لتركيبة قوة العمل بحكم ارتفاع معدل الالتحاق بالتعليم العالي المقدر ب 25.8 %، وهي نسبة أعلى من المتوسط في المناطق النامية. وقال إن المجموعة الثالثة ذات العلاقة بالتشغيل فتتمثل فى العوامل التعليمية ، ومنها على وجه الخصوص عدم الملاءمة بين مخرجات التعليم والتدريب واحتياجات سوق العمل ومتطلبات الريادة الاقتصادية التي باتت من أقوى المداخل لمعالجة بطالة الشباب وتوسيع قاعدة الإنتاج والمشاركة فيه. وأوضح أن هذه الأسباب مجتمعة أفرزت بطالة تراكمية عبارة عن بطالة شباب بلغت في 2012، 27 % وبطالة نسائية حيث تمثل بطالة النّساء ضعف معدل بطالة الرجال وبطالة متعلمين وخاصة من حاملي المؤهلات المتوسطة والجامعية حيث يلاحظ أن معدلات البطالة تزداد كلما ارتفع المستوى التعليمي. ولفت لقمان إلى أن تعطل شريحة واسعة من قوى العمل الشبابية والمتعلمة أدى إلى إهدار طاقات كبيرة تولدت عنها ظاهرة خطيرة أخرى تتمثل في نزيف هجرة الكفاءات والعقول إلى مناطق الازدهار الاقتصادي. وأعتبر أن معالجة البطالة بصورة جوهرية ومستدامة أصبحت تتخطى صلاحيات الوزارات المعنية بالعمل والشؤون الاجتماعية وأدوات التدخل المعهودة مشيرا إلى أن التشغيل بات يطرح أكثر من أي وقت مضى وفق رؤية مندمجة تتصل فيها الأبعاد الاقتصادية بالأبعاد الاجتماعية والتعليمية والمالية لحشد الموارد وتعبئة الطاقات وتفجير الذّكاء الجماعي. وأكد أنه من هذا المنطلق، فإن أنماط التنمية في المنطقة العربية أصبحت في حاجة إلى مراجعات فكرية تهدف إلى بلورة وبناء إستراتيجيات تنموية تستند إلى عقد اجتماعي مستحدث يعيد الأمل ويضمن الإنصاف لمختلف الفئات والمناطق ويؤمّن المستقبل للجميع. وقال إن من أهم مقومات هذه الإستراتيجية المندمجة ، القيم الاقتصادية مثل قيم النمو والتنمية المستدامة المتوازنة، والفاعلية الاقتصادية، وإنتاجية القوى العاملة، وقيمة العمل، وحرية الاستثمار الخاص ودعم الريادة، والشراكة بين القطاعين العام والخاص، ودفع التعاون العربي الاقتصادي والاجتماعي نحو أفق أرحب يعكس الترابط بين التنمية والتشغيل ويكون صدى للمصالح المشتركة للجميع مؤكدا ان كل هذه العناصر تؤثر إيجابيا على جانب الطلب على القوى العاملة. ودعا لقمان الى ضرورة تطوير نظم التعليم والتدريب والارتقاء بأدائها على أساس فكر تربوي مستحدث يقوم على معايير الجودة وتطوير المهارات كما ونوعا قصد المواءمة بين مخرجات هذه النظم واحتياجات سوق العمل والقطاعات الاقتصادية إلى جانب ضرورة تطوير نظم المعلومات حول أسواق العمل والرفع من أدائها. وأعرب لقمان عن ثقته فى دعم البنك الدولى ومساندته لمنطقة العربية فى هذا الاطار وبماسيخرج به هذا المنتدى من توصيات واتجاهات تحدد مسار التعامل مع مشكلة البطالة الذى وصفه بأنه أضحى هو الهاجس الذى يشغل بال قادتنا وحكوماتنا. كماأعرب عن ثقته فى أن المملكة العربية السعودية الذى ينعقد هذا المنتدى تحت لوائها وعلى أرضها المباركة سوف تدفع باتجاه ما يتمخض عن هذا المنتدى من نتائج نأمل أن تشكل علامة فارقة فى التعاون العربى يمهد ما يمكن أن نسميه التحالف العربى من أجل التشغيل والحد من البطالة. وفى ختام الكلمات سلم المدير العام لمنظمة العمل العربية أحمد محمد لقمان درع منظمة العمل العربية المقدم لراعي المنتدى خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود - تسلمه نيابة عنه وزير العمل المهندس عادل بن محمد فقيه. كما سلم لقمان درع من منظمة العمل العربية لوزير العمل ، وقدم درع منظمة العمل العربية ووزارة العمل بالمملكة العربية السعودية للبنك الدولي تسلمتها رئيس البنك الدولي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا انجر أندرسون ، ودرع مقدم من منظمة العمل العربية ووزارة العمل والبنك الدولي لصندوق تنمية الموارد البشرية "هدف " تسلمها المدير العام للصندوق إبراهيم بن فهد آل معيقل. جدير بالذكر أن المنتدى الذي يستمر ثلاثة أيام يهدف إلى الوصول للاتفاق على إطار عام لدعم التنمية والتشغيل في ضوء المتغيرات القائمة لبناء رؤية مشتركة تكاملية توازن بين مقتضيات الحماية الاجتماعية وتحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة اعتمادا علي منظومة معلوماتية شاملة.