حذر عديد من الرموز السياسية والوطنية من تمرير "دسترة محاكمة المدنيين عسكريا"، ووصفوا تلك المادة بأنها بمثابة قنبلة موقوتة تهدد بنسف الدستور برمته. ومن المتوقع أن تكون مادة "المحاكمات العسكرية للمدنيين" أحد أخطر أسباب التصويت ضد الدستور المعدل، مما قد يمثل تفجيرا للمرحلة الانتقالية برمتها. وعبرت القوى الثورية عن رفضها الكامل للنص الدستوري الخاص بالمحاكمات العسكرية للمدنيين، بصيغته الراهنة. وطالبت أعضاء لجنة الخمسين، إلى التصويت ب "لا" على نص المادة المقترحة، نظرا لما تتضمنه من نصوص فضفاضة، تبيح استمرار المحاكمات العسكرية للمدنيين وتهدر حق المواطنين في محاكمة عادلة أمام قاضيهم الطبيعي. واعتبر نشطاء ورموز في قوى سياسية أن النص المقترح يشمل توسعا غير مقبول في الجرائم التي توجب خضوع المدنيين لسلطة القضاء العسكري، خاصة في ظل وجود عبارة "وما في حكمهم" في الفقرتين الأولى والثانية من المادة 174. وحذر المعارضون من أن تمرير مثل هذا النص بالرغم من الاعتراضات العديدة عليه، من شأنه أن يعمق الاستقطاب الحاد الذي تشهده مصر، ويدخل البلاد في أتون صراع مجتمعي جديد، كلنا في غني عنه، حتى تمر المرحلة الانتقالية بنجاح ودون تأجيل أو تأخير.. من جانبه ناشد حزب الدستور، لجنة الخمسين بأن ينص دستور مصر على حظر المحاكمات العسكرية للمدنيين، مؤكدًا أنه يرفض أن يحتوي دستور الثورة مادة تجيز أي نوع من أنواع محاكمة المصريين أمام قاضٍ غير قاضيهم الطبيعي، داعيًا لجنة الخمسين إلى أن تراجع قرارها. وقال حزب الدستور، في بيان له "خابت آمال غالبية المصريين عندما انفرد الرئيس السابق وجماعة الإخوان بكتابة أول دستور لهم بعد ثورة 25 يناير المجيدة، وما تضمنه من فرض للمزيد من القيود على حريات وحقوق المصريين، وسعي لفرض المفاهيم السياسية لفصيل سياسي واحد فقط"، بحسب البيان. وأضاف الحزب: "كانت دهشة حزب الدستور بالغة عندما أقرت لجنة الخمسين، التي من المفترض أنها جاءت لتصحيح العوار الفاضح في دستور الإخوان، بإقرار مادة ترسخ الخطأ الفادح الذي ارتكبته الجماعة بتضمين دستور مصر نصًا يسمح بمحاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية"، على حد تعبير البيان. وأكد حزب الدستور، أنه إذ يعلن وقوفه بكل قوته في صف قواتنا المسلحة ودولتنا المصرية، ويعي جيدًا خطورة المرحلة وحجم التهديد وفداحة المسؤولية التي يتحملها الجيش دفاعًا عن الوطن، إلا أنه في أشد اللحظات الظلامية قسوة يبقى التمسك بالمبدأ هو الوسيلة الوحيدة للنجاة، لذا يطلب من لجنة الخمسين أن ينص دستور مصر على حظر المحاكمات العسكرية للمدنيين، بحسب ما جاء في البيان. واقترح حزب الدستور أن ينظم قانون السلطة القضائية محاكمة من يتعدى من المدنيين على قواتنا المسلحة وأجهزتنا الأمنية من خلال محاكم متخصصة تخرج من رحم قضائنا الشامخ وتتفرغ تمامًا لمثل هذا النوع من القضايا لتحقق عدالة ناجزة وردعًا عادلاً، حسب قوله. وشدد الحزب، على أن دستور مصر المقبل، والذي يأمل أن يحظى بدعم شعبي واسع، وأن يكون معبرًا بشكل حقيقي عن مطالب ثورة 25 يناير التي خرج المصريون للتأكيد عليها في 30 يونيو، لا يجب أن يتعامل مع الأوضاع الاستثنائية على أنها دائمة وأن يكون همه الأول هو ضمان حقوق وحريات المصريين وترسيخها بعد عقود طويلة من الحرمان من هذه الحقوق، حسب ما جاء في بيان الحزب. فيما أبدى نجيب جبرائيل، رئيس منظمة الاتحاد المصري لحقوق الإنسان "الايرو" رفضه لمادة الدستور الذي تنص على محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية. ووصف "جبرائيل" هذا النص ب"الفضفاض" و"المطاط" مؤكدًا أنه يسمح باستغلاله في محاكم المدنيين أمام القضاء العسكري ما يرجعنا إلى حالة وقانون الطوارئ التى تم إلغاؤها. جاء ذلك في الوقت الذي فشل فيه دفاع المؤيدين للمادة في اقناع الآخرين ، وفي مقدمتهم رئيس هيئة القضاء العسكري اللواء مدحت رضوان غزى، الذي قال إنه لا يرى سببا منطقيا للاعتراض على المادة 174 المتعلقة بمحاكمة المدنيين أمام محاكم عسكرية. وشدد على أن المحاكمات العسكرية للمدنيين سوف تقتصر على الجرائم التي ترتكب ضد القوات المسلحة وأفرادها أثناء تأدية الخدمة. وكشف في تصريحات إعلامية عن أنه تمت محاكمة 427 مدنيا أمام القضاء العسكري عام 2009، و 276 فقط في عام 2010 و 1071 بعد ثورة 25 يناير المجيدة. وأشار إلى أن اللجنة التي شكلها الرئيس المعزول محمد مرسي لمراجعة الأحكام العسكرية بحق المدنيين خلال هذة الفترة انتهت إلى أحقية العفو عن 59 مدنيا فقط من أصل 1071. وأضاف أن عدد البلاغات ضد القضاء العسكري بلغت 13 ألف بلاغ تم احالتها جميعا إلى النيابة عقب ثورة 25 يناير، مؤكدا أن الاصوات التي تنادي بعدم محاكمة المدنيين أمام محاكم عسكرية بدأت في الازدياد عقب عودة الشرطة للقيام بدورها في يونيو 2011.