يثير تيار الإسلام السياسى موضوعية الدولة الإسلامية كجوهر لفكرة الحاكمية الإلهية المختلف حولها منذ الصدر الاول لظهور الاسلام كدين. والمؤكد هو ان الدولة قد شهدت فى عصر النبوة ملامحا أولية إلا أنها لم تعد ركنا من أركان الدين ولا فرضا واجبا وإنما مستلزما دعويا اختلط فيه فكرة الإمامة الدينية بفكرة الرئاسة الزمنية على الاقل طوال حكم الخلفاء الراشدين حتى أعلن معاوية الملك العضوض فأضحت فكرة الرئاسة الزمنية هى فكرة الحكم بعد أن استبعدت الشورى وأهل الحل والعقد واعتمدت الملك للمتغلب وأضحت الإمامة الدينية شعارا شكليا وأداة من أدوات الاحتواء والسيطرة والحكم ليس غير بوصفها حاضن ثقافى للمجتمع انذاك فيطلق على الملك الزمنى المتكامل الاشراط خليفة أو أمير المؤمنين بينما جوهر فكرة الحكم بعيدة عن الإمامة الدينية الواجبة فى الحكم الإسلامى بالشورى واحكامها. ولعل البعض لايعرف أنه بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم واختلاف الجماعة المسلمة حول الحكم حتى حسمها عمر فى السقيفة وأخذ البيعة لأبى بكر فى غياب على بن أبى طالب وآل البيت ما نجم عنه الخلاف الشهير ثم تركها عمر وصية لعدد مختار من الصحابة البارزين يختار منهم أهل الحل والعقد وقد حددهم عمر ثم يتم بعدها أخذ البيعة العامة وكانت لعثمان بن عفان .ثم كانت أحداث الفتنة ومقتل عثمان فأجمعت الجماعة المسلمة فى الظرف الدقيق على اختيار على وكان إجماعا بالأغلبية النسبية ان جاز القول ولم يكن مطلقا وشهد بعدها تطور احداث الفتنة الكبرى . المهم هنا ان نستنتج أنه لم يكن خلال هذة الفترة الراشدة معيارا ثابتا للرئاسة الزمنية أو الولاية الكبرى او الامامة الدينية .بل تمت الأمور بتناسي مقتضى الأحوال التاريخية وفى ثلة محدودة من الرجال البارزين من صحابة النبى وشهدت ايضا اختلاطا تاريخيا بين مفهوم الإمامة الدينية ومفهوم الحكم الزمنى حكاية قميص عثمان التى ذكر فيها عثمان لمناوئية الذين طالبوه باعتزال الحكم قولته كيف أخلع قميصا قمصنية الله واحتجاج عصبة من اعيان الصحابة عليه بخروجه عن عقد الولاية مع الامة متمثلين عقد ابى بكر ان احسنت فساعدونى وإن أسأت فقومونى وهى فى حقيقتها قاعدة لحكم مدنى زمنى لا ولاية دينية . أعنى أن التباس القاعدة كان شهيرا حتى فى الصدر الراشد لحكم الإسلام وهذا يعطينا على الأقل قاعدة مرنة للاجتهاد المعاصر ولايغلقنها أحد علينا بدعوى دينية جاهلة بالتاريخ واحداثه وعبرة. حتى حسمها معاوية بتجاهل قواعد الحكم الشورى فانعقدت بعده دولة الإسلام فى قرونها الوسطى كحاكمية مدنية زمنية صريحة تعيش من خلالها دعوة الاسلام وتنتشر من ضمن مستلزمات الحكم لا من ضمن أركانه الشرعية اللهم إلا من حيث الشكل لا الموضوع . إما الإمامة الدينية فظلت طوال هذا التاريخ الوسيط إما دعوى باطنية لآل بيت الرسول فى مذهب الشيعة او اصطراعا لاينقضى بين فرقاء دينيين او دعوة هادئة من الصالحين تمارس فى اصقاع الدولة واطرافها افرزت الوعاظ والمذاهب والمتصوفين .وظلت فكرة الحاكمية الزمنية هى السائدة خلال تلك العصور حتى انبعثت فكرتها من جديد متسربلة فى الخلافة الاسلامية الكبرى أول الأمر بعد حين من انهيار الامبراطورية العثمانية التى جمعت أمما تدين بالإسلام فى معظمها وفى جوهرها ايضا كانت حكما زمنيا عضودا يتشح بأستار دينية تعطيه الحجة والمرجعية بدون الجوهر الشورى التشريعى الذى لم يقيض الزمن له أبدا أن يتحقق بجلاء فى اى من فترات الحكم فى القرون الوسطى . وربما يمنح هذا لذوى الألباب فضاء الاجتهاد العصرى للدخول فى حالة الحكم الديمقراطى وهى آلية تسمح للشعوب أن تختار حاكميها بعدالة أقرب إلى مقاصد الدين من دعاة الحاكمية والشورى والخلافة الذين لايدرون فى حقيقة الأمر عن ماذا يتحاكمون ؟