اختزل السياسي المصري البارز أيمن نور، رئيس حزب غد الثورة، في شخصيته رموز الثورة المصرية، مما جعل من توجهاته السياسية مثار جدل في الفترة الأخيرة. فقد جعلت جرأته في مواجهة الرئيس المصري السابق حسني مبارك ومنافسته في الانتخابات الرئاسية عام 2005 والتي حل فيها ثانيًا "أول ميدان تحرير" تعرفه مصر حيث اعتبره قطاع من المصريين آنذاك بأنه المعارض الأوحد. لكن هذه الرمزية الثورية في شخصه لم تنسحب على منهجه السياسي فهو يعرف عنه أنه "برغماتي" من الدرجة الأولى يتعامل مع الأمور من منظور الواقع مما جعله يقف في منطقة الوسط، فهو نواة للمعارضة لكنه لا يتقدم صفوفها وهو الثائر على النظام السابق والحالي لكنه حريص على جسور التواصل والحوار مع الرئيس الحالي محمد مرسي، فهو ينتقده بشدة بدون أن يهاجمه أو يقاطعه. هذه الشخصية السياسية التي شغلت الساحة المصرية تبدو مثيرة للتساؤلات حتى بدا أيمن نور وكأنه يسير بمواكبة عشرات علامات الاستفهام، وهي علامات حاولت مراسلة وكالة الأناضول أن تجد إجابات لها خلال حوار مطول معه. رئيس حزب غد الثورة حاول خلال الحوار مع الأناضول تقييم أداء الرئيس المصري، إلا أنه في الوقت نفسه ألقى باللوم على من يحيط به لاسيما مستشاريه وفريقه الرئاسي في التأثير على قراراته بل عرقلة المصالحة الوطنية في البلاد التي تعاني منذ أكثر من خمسة شهور من أزمة سياسية بين النظام والمعارضة اندلعت خلالها مظاهرات واحتجاجات عنيفة خلفت عشرات القتلى ومئات المصابين. نور أجاب في حواره مع الأناضول عن أسئلة تناقش ملفات سياسية ساخنة على الساحة المصرية، وهو ما ظهر في نص الحوار التالي: تحدثت مؤخرًا بشأن أخونة الدولة، فكيف ترى حقيقة هذا الأمر؟ أعتقد أن الحديث عن أخونة الدولة يتعرض لكثير من المبالغة، ولكن تجاهل هذه الظاهرة يشوبه كثير من التهوين، فنحن أمام ظاهرة لها أصولها وجذورها، وجماعة الإخوان المسلمين منذ سنوات طويلة لديها أشواق مشروعة وجارفة لفكرة السلطة، وهذه الأشواق الجارفة للسلطة تم ترجمتها في مواقف عديدة. وجماعة الإخوان كان ينبغي عليها عندما تذهب إلى أغلبية كبيرة في البرلمان قبل الانتخابات الرئاسية، أن تسعى لشراكة وطنية واسعة واقرارها بالطريقة التي تُطمئن المجتمع الذي لديه مخاوف مشروعة تجاه الجماعة ورغباتها في التوسع أو في الهيمنة على كافة مفاصل الدولة. وعدم سعي الجماعة للشراكة الوطنية كان جزءًا من مشروع أخونة الدولة، وأدى إلى ظهور شعور الاحتقار لدى القوى الأخرى التي ترى أن موقف الجماعة يشوبه شيء من الاحتكار أو الاحتقار لدورها، الأمر الذي أسفر عن حقن المجتمع بالتوتر الذي نشهده حالياً. هل لديكم أي رؤية للتعايش بين الأطراف المتناحرة المصرية؟ الشعب المصري متعايش ومتصالح مع نفسه باختلاف اتجاهاته ودياناته والجهات الجغرافية والسكانية، ولكن ظهرت محاولة لصياغة وطن جديد بعد الثورة، والكل بدأ يسعى أن يكون له موقع ودور في هذا الوطن، والمرحلة الانتقالية التي بدأت بالمجلس العسكري (عقب تنحي مبارك في 11 فبراير/شباط 2001 وحتى تسليم السلطة للرئيس المنتخب في 30 يونيو/حزيران 2012) لم تتح فرصة حقيقية لهذا التوزيع الجديد الذي يسمح برؤية واضحة لشكل الوطن في المرحلة القادمة، أعقبها مرحلة حكم الإخوان المسلمين، بدءًا بالبرلمان مرورًا بتجربة الرئاسة لمدة ثمانية أشهر ماضية، لم تنجح أيضاً في تقديم صورة للتعاون والمشاركة الحقيقية التي من شأنها أن تكرس مفهوم التعايش، فغياب المشاركة أدى إلى تهديد قيم التعايش. وأعتقد أن الخطر الكبير الآن ليس في الأزمة السياسية بمفهومها المباشر، ولكن في الأزمة المجتمعية الكاملة التي حقنت المجتمع بالتوتر والعنف، والتي بدأت لأول مرة منذ سنوات بعيدة تهدد القيم التي عاشتها مصر وكانت جزءًا من النسيج المصري لسنوات طويلة. هل نقلت ذلك للرئيس محمد مرسي؟ تحدثت في لقاءات متعددة مع الرئيس مرسي، وبيننا ثقة متبادلة منذ أن تزامنا في البرلمان وتجاورنا في مقاعد البرلمان والسجون أيضاً، وأصارحه دائما برأيي قبل وبعد أن أصبح رئيسًا، شرحت له وجهة نظري، وأننا نفتقد لفكرة الشراكة والمصالحة الوطنية، وأعتقد أن الرئيس شخصيًّا لديه استعداد طيب للفكرة، لكن يبدو أن هناك من حوله ممن يعتقدون أن فكرة المصالحة الوطنية في غير وقتها. برأيك من هؤلاء؟ ربما مستشارين ومساعدين ومقربين من تياره السياسي أو حزبه، ولاشك أن لهم تأثيرًا على الرئيس وعلى رأيه، وخاصة في الأمور السياسية الداخلية. وماذا عن التأثير الخارجي؟ التأثير الخارجي وارد، كون الرئيس يدير ملفات داخلية وخارجية فهو يتأثر ويؤثر في الملفات الخارجية التي تؤثر في مساره وقراراته، هذا أمر ليس مستبعدًا وليس مرفوضًا بالكامل، لكن التأثير على قراره بمعنى أنه يغير قراره بإملاء من الخارج فهذا ما لا أتوقعه ولا أتمناه بعد الثورة، فنحن عانينا لسنوات طويلة من القرار السياسي الخارجي والداخلي الذي كان يتم إملاؤه من الخارج وفقاً لرغباته أو لرغبة الرئيس في العناد مع الخارج. وحالة مرسي هي حالة خاصة جدا، فهو الرئيس الأول بعد الثورة، وطريقة اتخاذ القرار السياسي حتى اللحظة لم تتشكل بشكل واضح، ما زال الرئيس أسير آليات اتخاذ القرار التي كانت تتخذ في مراحل سابقة من أنظمة الحكم في مصر. والرئيس مرسي يتأثر كثيرًا بالتأثير الداخلي وهذا يفسّر تراجعه عن عدة قرارات أصدرها وتراجع عنها، وهو يفسر ظاهرة أخرى وهي غياب هيئة مستشارين تمثل الرأي الآخر داخل مؤسسة الرئاسة، وأعتقد أنها ما زالت تمثل رأيًا وفكرًا واحدًا وهو الفكر الذي نبت وتربى من خلاله الرئيس مرسي، وبالتالي هذه النوعية من الشركاء والمساعدين والمستشارين لا ولن يضيف شيئًا. ما ينقص الرئيس الحالي هو الرأي الآخر داخل مؤسسته بالشكل الذي يحمله أن يواجه قراراته قبل صدورها، هو غالبًا ما يسمع لرأي واحد، وهذا بعكس الرئيس السابق الذي كان لا يعرف معنى لكلمة التراجع، فكان العناد هو أبرز سماته حتى لو كانت التكلفة حياته أو حياة مصر كلها. والصورة داخل الرئاسة غير مرضية، وأعتقد أن المؤسسة في حاجة لإعادة الصياغة، وأن فريق العمل بحاجة الى تغيير شامل، وإذا لم يفعل الرئيس هذا فسيدفع ثمناً باهضاً في المرحلة القادمة، لأن فريق العمل أقل بكثير مما يحتاجه الرئيس. من المسؤول برأيك عن الأزمة التي تشهدها مصر؟ أنا لا أبرئ أحداً، الأزمة شاملة، المعارضة والرئيس وحزب الأغلبية وأحزاب الأقلية يتحملون المسؤولية، لكن كلٌ يتحمل وفقاً لحجمه ودوره، فمؤسسة الرئاسة في تاريخ مصر السياسي كان لها دائماً الدور الكبير وبالتالي المسؤولية كبيرة، وحزب الاغلبية له نفس الدور والحجم، وبالتالي مسؤوليتهم فيما يحدث في مصر أكبر من مسؤولية المعارضة. كيف تنظر إلى انعكاسات أحداث مدينة بورسعيد على مستقبل الاخوان، وحالة التمرد في أوساط الشرطة؟ كل هذه تبعات الأزمة التي نعيشها، وما يحدث في بورسعيد وغيرها، وهو تداعيات لكارثة وفشل لإدارة وحكومة لم تنجح في إدارة الأزمات، وما يجري الآن من تفويضات للجيش أو غير ذلك هو محاولة لجر الجيش لجهاز الصراع، فهناك من لديه الرغبة في القضاء على دور الدولة، والبعض ممن لديه الرغبة في استدعاء الجيش لدور لم يعد دوره، والبعض ممن يكره الاخوان أكثر مما يحب مصر، وهنا أقول إنني أختلف مع الإخوان لكنني أحب مصر أكثر من حجم كراهيتي للإخوان. نراك تعمل باستقلالية عن جبهة الإنقاذ المعارِضة، هل سبب ذلك عدم ثقة بهم، أم هناك رهان على الاخوان المسلمين؟ أنا جزء من المعارضة، كنت أمثل المعارضة الراديكالية شديدة الصدام والمواجهة في وقت لم يكن هناك من يواجه. وهناك خلط بين فكرة جبهة الإنقاذ والمعارضة، المعارضة جسد كبير ومعارضة الاخوان في مصر أكبر بكثير من جبهة الانقاذ التي كنت أحد مؤسسيها، أعتقد أن المغايرة بيني وبين الإنقاذ في بعض المواقف له علاقة في أن الجبهة كانت تعبر عن أحزاب مختلفة لها توجهات مختلفة أيضاً، فمنها اليساري والليبرالي والوسطي، ومنها من كان لها موقف سابق من النظام أو متحالفة مع النظام السابق، وبالتالي هناك مرجعيات مختلفة، والمغايرة في المواقف بين الأحزاب داخل الجبهة مسألة كانت متوقعة. أنا شخصياً شاركت في تأسيس جبهة الانقاذ، لكني لم أستمر فيها نتيجة احساسي بأنني لن أستطيع الدفاع عن بعض المواقف التي تغير من قناعاتي كليبرالي، فأنا أؤمن بالحوار والقبول بالأخر والتسامح، وضرورة التصالح الوطني الشامل. من مع سيتحالف أيمن نور في الانتخابات المقبلة؟ سيتحالف مع حزب غد الثورة الذي سيخوض به الانتخابات، وإذا كان هناك رغبة من بعض الأطراف للتحالف، فأنا أميل لتحالف مدني ليبرالي أو وسطي معتدل عاقل يؤمن بقيم الاعتدال والتسامح. من يمول حزب غد الثورة؟ أعضاء الحزب لمن الغلبة برأيك في الانتخابات المقبلة؟ الغلبة للشعب الذي سيختار، الانتخابات لن يكون فيها أغلبية كبيرة لطرف من الأطراف لكن سيكون هناك كيانات متعددة، وأظن أن الحكومة القادمة ستكون حكومة ائتلافية، لأن حزباً واحدا لن يستطيع أن يتحمل المسؤولية ولن يكون لديه سند في مقاعد البرلمان يتيح له هذه المرونة، وأعتقد أن فرص الإخوان في الأغلبية هذه المرة أقل بكثير من فرصهم السابقة ، وأن المرحلة القادمة ستشهد برلماناً شبه متوازن، ولهذا أدعو كل التيارات المشاركة في الانتخابات ألا تقاطع الانتخابات، لدينا فرصة لتشكيل برلمان متوازن. هل ما زلت ترى في أيمن نور المعارض الشرس؟ هذا ليس خياراً، أنا معارض وسأبقى معارضاً طالما هناك قناعات مختلفة بيني وبين النظام الحاكم، كنت معارضاً للنظام السابق، والآن أنا معارض للنظام الحالي، هناك أخطاء وهنا أخطاء، ولكن من الظلم أن نساوي بين الطرفين، أنا تعرضت للظلم في عهد الرئيس السابق عندما مارست الشجاعة التي كانت تمثل العملة الصعبة، والآن أمارس العقل والرشادة عندما أصبح العقل هو العملة الصعبة، فأنا لا أخشى من موقف، ومن لا يخشى مبارك لا يخشى مرسي. إذا ما عرض عليك تشكيل الحكومة الجديدة، هل ستوافق؟ أنا لا أحب أن أتحدث عن تشكيل في ظل وجود حكومة قائمة، عندما تتغير الحكومة سيكون هناك حديث عن حكومة جديدة ، هذه الجديدة ربما تكون تكنوقراط وربما حزبية أو ائتلافية ، اذا كانت ائتلافية ربما سيكون اسمي من الأسماء المطروحة ، واذا كانت تكنوقراط فلا أظن أن اسمي سيكون الشخص المناسب لهذه الحكومة. والقبول بهذه المهمة أمر صعب والتكليف للحكومة انتصار من جهة ومشقة من جهة أخرى خاصة في ظل أوضاع سياسية معقدة واقتصادية تنهار بسرعة مدهشة، فهنا أنصح نفسي أو غيري أن يبدأ أولاً بمصالحة وطنية شاملة، ثم الانتقال لمرحلتي الشراكة الوطنية السياسية والأوضاع الامنية المتردية التي هي المدخل الصحيح للإصلاح الاقتصادي. لدينا مبادرة لإصلاح الاقتصاد المصري استعننا بخبرات من تركيا وبولندا إلى جانب خبرات مصرية وأنتجنا روشته من 700 صفحة لإنقاذ الاقتصاد المصري ، لأن مفتاح الحل هو لقمة العيش والتقدم الاقتصادي وتجاوز المرحلة المتدهور ة التي يمر بها الاقتصاد المصري. كيف تنظر إلى الدور التركي إزاء المشهد المصري؟ أعتقد أن المثلث المهم في هذه المنطقة هو تركيا وايران ومصر، ولابد أن نشير هنا الى المملكة العربية السعودية أيضاً ، وبدون تنسيق إقليمي بين هذا المربع الذهبي أعتقد أن هذه المنطقة ستمر بأزمات كبيرة ، واذا ما نجحنا في اقامة علاقات حقيقية متكافئة بين أشقاء يجمع بينهم قواسم كثيرة مشتركة سنكون قادرين على انشاء قاطرة تجر هذه المنطقة نحو التقدم