يوافق اليوم الثامن من آذار يوم المرأة العالمي وهو اليوم الذي تبنته الجمعية العامة للأمم المتحدة قبل 36 عاماً للتأكيد على ضرورة تمتع النساء في كافة أنحاء العالم بحقوقهن التي تكفلها لهن المعايير الدولية. لقد تواصلت طيلة الأعوام التي تلت تبني الأممالمتحدة ليوم المرأة العالمي في العام 1977، الجهود الداعمة لنضال النساء ومساعيهن الهادفة لتحقيق المساواة والقضاء على التمييز وتعزيز مكانة المرأة في المجتمع، لكن الواقع وعلى الرغم من هذه الجهود يؤكد حقيقة أن معاناة النساء ما زالت مستمرة، وأن أوضاعهن في الكثير من الدول تزداد سوءاً بفعل القيود المفروضة عليهن والانتهاكات المقترفة بحقهن. وعلى وجه الخصوص، يحل يوم المرأة العالمي لهذا العام على النساء الفلسطينيات وهن يلملمن جراحهن إثر العدوان الإسرائيلي الذي نفذته سلطات الاحتلال على قطاع غزة خلال الفترة من 14 إلى 21 نوفمبر 2012، والذي أكدت تحقيقات المركز أنه كان عدواناً على المدنيين. كان من بين ضحايا العدوان البالغ عددهم 171 فلسطينياً هناك 102 مدنياً، بينهم 14 امرأة أي ما نسبته 13.7% من إجمالي ضحايا العدوان من المدنيين. ومن بين المصابين البالغ عددهم 648 مصاباً هناك 625 مدنياً، ضمنهم 93 امرأة أي ما نسبته 14.8% من إجمالي المصابين من المدنيين. ووفقاً لتوثيق المركز ورصده، فقد سقطت معظم النساء القتيلات خلال العدوان بينما كنّ داخل منازلهن أو على مقربة منها جراء الإفراط الإسرائيلي في استخدام القوة المميتة، والانتهاك المتعمد لجملة المبادىء التي نص عليها القانون الإنساني الدولي لضمان توفير الحماية للمدنيين. من بين هذه المبادىْ: مبدأ التمييز الذي يستوجب التفريق بين السكان المدنيين وبين الأهداف العسكرية، مبدأ حظر الهجمات العشوائية وهي الهجمات غير الموجهة لهدف عسكري محدد، ومبدأ أخذ الاحتياطات اللازمة عند شن الهجوم لتجنب أن تكون الأهداف عبارة عن مدنيين أو أعيان مدنية. لقد أثبتت التحقيقات التي أجراها المركز في الحالات التي أسفرت عن مقتل نساء خلال العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة أن القتيلات كن ضحايا الاستهتار الإسرائيلي بأرواح المدنيين الفلسطينيين وإصرار قوات الاحتلال على تنفيذ جملة من تدابير الاقتصاص من المدنيين. بين هذه الحالات حالة النساء من عائلة الدلو التي استهدفت قوات الاحتلال منزلها في 18 نوفمبر 2012، فدمرته بالكامل فوق رؤوس قاطنيه ما أسفر عن مقتل 10 من أفراد العائلة بينهم 4 نساء و5 أطفال. بين الحالات أيضاً حالة النساء من عائلة أبو زور التي دمرت قوات الاحتلال منزلها جراء قصفها منزل مجاوراً في 19 نوفمبر 2012، ما أسفر عن مقتل 3 أفراد من العائلة هم طفل وامرأتان. ولم تقتصر معاناة النساء الغزيات خلال العدوان الإسرائيلي على القطاع على سقوطهن قتيلات أو مصابات، فإلى جانب أعمال القتل والإصابة، عايشت النساء الفلسطينيات تجارب بالغة القسوة جراء سقوط أفراد من عوائلهن قتلى أو مصابين أمام أعينهن. عدا عن اضطرار آلاف النساء إلى الفرار من مناطق سكناهن بعد أن تعمدت قوات الاحتلال إلقاء آلاف المنشورات في مختلف مناطق قطاع غزة تطالب السكان بالرحيل من منازلهم لمركز المدينة. كما واصلت قوات الاحتلال خلال العام المنصرم برمته اقترافها الكثير من الانتهاكات التي مست حياة النساء بشكل مباشر ففاقمت أوضاعهن المعيشية، وضاعفت من الأعباء الملقاة على عاتقهن، وزادت من صعوبة حياتهن. بين هذه الانتهاكات: تدمير الممتلكات والأعيان المدنية، أعمال إطلاق النيران العشوائية والاعتقالات التعسفية في المناطق الحدودية، وحرمان أمهات وزوجات المعتقلين الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية من زيارتهم. كما تأثرت حياة النساء الفلسطينيات ولا زالت بالحصار الإسرائيلي المستمر لقطاع غزة حيث تواصل سلطات الاحتلال تصعيد إجراءات الخنق الاقتصادي والاجتماعي المطبقة بحق سكان القطاع الأمر الذي يتسبب في حرمانهم من الكثير من الاحتياجات الأساسية وفي مقدمتها إمدادات الأدوية. كما تواصل إسرائيل عزل قطاع غزة عن الضفة الغربية عبر فرض الكثير من القيود التي تحول دون تمتع الفلسطينيين من حقهم في الحركة والتنقل بحرية من قطاع غزة إلى الضفة الغربية وبالعكس. إلى ذلك، تتواصل معاناة النساء الفلسطينيات الناجمة عن العنف الممارس بحقهن داخل المجتمع. تبرز في هذا الإطار انتهاكات الحق في الحياة عبر قتل النساء على خلفية ما يسمى بجرائم الشرف، فقد رصد المركز مقتل 3 نساء فلسطينيات خلال العام المنصرم على هذه الخلفية، وذلك على الرغم من القرار بقوة القانون الذي صدر عن الرئيس الفلسطيني محمود عباس في 15 مايو 2011، بشأن إلغاء الأحكام المخففة بحق مقترفي هذه الجرائم. كما ولا تزال النساء الفلسطينيات عرضة لأشكال مختلفة من الانتهاكات الناجمة عن الإجراءات المنفذة من قبل أطراف عدة، رسمية وغير رسمية، لفرض رؤية اجتماعية محددة على النساء في قطاع غزة. وقد تابع المركز بهذا الصدد ولا زال، جملة من الظواهر والممارسات التي تشكل انتهاكاً للحريات الشخصية، من بينها على سبيل المثال لا الحصر: فرض الزي الشرعي على الطالبات في جامعة الأقصى، إصرار مديرات بعض المدارس الثانوية الحكومية في القطاع على إلزام الطالبات بالحجاب، ومؤخراً، اضطرار وكالة الغوث الدولية لإلغاء المارثون المنوي تنظيمه في ابريل القادم بسبب القيود التي وضعتها الحكومة على مشاركة النساء.
المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان يجدد في يوم المرأة العالمي دعمه المطلق لنضال النساء الفلسطينيات اللاتي يعانين معاناة مضاعفة جراء ممارسات الاحتلال وانتهاكاته من ناحية، ومن ناحية أخرى جراء العنف الممارس بحقهن من قبل المجتمع. وطالب المركز المجتمع الدولي بالعمل على الوفاء بالالتزامات الملقاة على عاتقه تجاه الشعب الفلسطيني بصفته شعباً تحت الاحتلال وأن يسعى لوضع حد لمعاناة المدنيين الفلسطينيين عامة والنساء على وجه خاص. وحمل المركز الدول الأطراف الموقعة على اتفاقية جنيف الرابعة مسؤولياتها بموجب الاتفاقية من خلال إجبار إسرائيل على احترام بنودها وتجنيب المدنيين وضمنهم النساء خطر العمليات العسكرية. وناشد المركز أ طرفا الانقسام الفلسطيني على وضع حد للانقسام وأن تتخذ السلطة الوطنية الفلسطينية إجراءات جدية للحد من انتشار جرائم القتل على خلفية الشرف لضمان معاقبة مقترفي هذه الجرائم بعقوبات تتلاءم وحجمها عبر العمل على تطبيق القرار بقوة القانون الصادر عن الرئيس محمود عباس في مايو 2011، بشأن إلغاء الأحكام المخففة بحق مقترفي هذه الجرائم.