* ثقافة أصله اليهودي لم تمنع مراقبي اللاسامية بفرنسا عن اتهامه بالدعوة للتمييز العنصري الحقد والعنف بعد مطالبته عام 2009 بوضع إسرائيل على قائمة الدول الاستبدادية * أحمد نبيل خضر توفى الكاتب والشاعر والدبلوماسي الفرنسي ستيفان هيسيل، عن سن تناهز 95 عامًا. وهيسيل مقاوم سابق ومؤلف كتاب "استنكروا" الشهير، وشارك في صياغة مسودة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. ذلك المناضل اليساري الذي عرف بموقفه المساند لحق الشعب الفلسطيني في ارضه ودولته، والذي ظل كتابه الظاهرة "استنكروا" أو "عبروا عن استنكاركم"، الصادر في 23 صفحة فقط، عام 2010، على رأس المبيعات لفترة كبيرة في فرنسا، حيث تجاوزت المبيعات 500000 نسخة، رغم تجاهل كبريات وسائل الاعلام الفرنسية له في البداية، لكن أمام هذا النجاح الاستثنائي اضطرت نشرة القناة الاولى الفرنسية إلى استدعاء الكاتب للحوار معه في النشرة الرئيسية، لتتبعها على نفس المسار باقي القنوات والإذاعات.ففي فرنسا اليوم لا يتم استقبال الكتاب والمثقفين المساندين لحقوق الشعب الفلسطيني في مختلف وسائل الاعلام خوفا من هجوم اتباع اسرائيل. وكانت قد قرأت في كتابه صحيفة حزب الاتحاد الاشتراكي المغربي للقوات الشعبية، مطلع شهر نوفمبر من العام 2011، جاء في قراءتها انه كتاب لا يقتصر على فلسطين التي تعتبر احد المواضيع الاساسية له, بل يستنكر كل ما تقوم به الحكومة الفرنسية من تراجعات على مكتسبات ما بعد الحرب الكبرى من تقاعد وضمان اجتماعي ومن حرية في وسائل الاعلام التي اصبحت تملكها اليوم كبريات الشركات الفرنسية. وقد دعا الكتاب الفرنسيين الى السخط والاستنكار لكل ما يمس قيم ومكتسبات المجتمع الفرنسي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. يبدأ ستيفان هيسيل المقاوم والمناضل اليساري، كتابه برقم "93 سنة، انها المرحلة الأخيرة، النهاية ليست بعيدة، إنها فرصة كبيرة وحظ لأذكر بأسس التزامي السياسي"، فهو كتاب وصية من جد مقاوم في آخر حياته الى ابنائه وهو يرى كل المكتسبات يتم العبث بها من طرف حكومة ساركوزي دون أن يحرك احدهم الساكن. ويذكرهم ب "سنوات المقاومة، البرنامج الذي تم وضعه منذ 70 سنة من طرف المجلس الوطني للمقاومة، نحن مدينون بذلك إلى جون مولان، الذي جمع في هذا الاطار كل مكونات المجتمع الفرنسي المقاوم والتي كانت تعترف بقائد واحد هو الجنرال دوغول. في لندن ، عندما التحقت بالجنرال سنة 1941، علمت أن مجلس المقاومة تبنى برنامجا في سنة 1944 حيث يقترح على فرنسا المحررة مجموعة من القيم والمبادئ التي ترتكز عليها الديموقراطية العصرية لفرنسا". ويكمل :"هذه القيم والمبادئ ما أحوجنا اليها اليوم بفرنسا، ومن واجبنا ان نحرس حتى يكون مجتمعنا مجتمع نفتخر به: وليس مجتمع مهاجرين بدون اوراق اقامة، مجتمع طرد المهاجرين ،ومجتمع الريبة تجاه المهاجرين، وليس مجتمعا يريد وضع التقاعد محل تساؤل وكذلك مكتسبات الضمان الاجتماعي، لا نريد مجتمعا توجد به وسائل الاعلام بين ايدي الذين يملكون كل شيء، كل الاشياء التي علينا استنكارها ورفضها لو كنا ورثة حقيقيين للمجلس الوطني للمقاومة". الكاتب يعبر عن سخطه واستنكاره لكل التراجعات التي تحدث في حكومة ساركوزي من مطاردة للمهاجرين وتخويف الفرنسيين من هذه الفئة وكذا التراجع على المكتسبات الكبرى للمجتمع الفرنسي التي كانت تجعل من فرنسا قدوة في العالم مثل بلدان كالولايات المتحدةالامريكية, حيث بدأ التراجع عنها مثل الضمان الاجتماعي والحق في التقاعد بعد عدد محدد من سنوات العمل. بالنسبة لهيسيل فرنسا اليوم تحكمها فئات كل هاجسها هو التراجع على كل هذه المكتسبات.بل يدعو كذلك الدولة ان تستمر في ادارة كل المؤسسات الكبرى من ابناك وشركات الطاقة والعودة الى "ديموقراطية اقتصادية واجتماعية حقيقية والتخلص من الفيودالية الكبرى الاقتصادية والمالية من ادارة الاقتصاد"، ودعا كذلك إلى أن "يعلو الصالح العام على الصالح الخاص". واعتبر هيسيل ان إصلاحات التعليم بفرنسا منذ 2008 هي تراجعات عن المكتسبات التي حققتها المقاومة بوضع تعليم راقي في متناول كل الفرنسيين. جاء أيضًا الكتاب استنكار للأمركة، التي تخوضها حكومة ساركوزي بفرنسا والتي تصبو الى حرمان الفرنسيين من كل المكتسبات الاقتصادية والاجتماعية التي حققوها منذ التخلص من الاحتلال النازي، وإعطاء مكانة كبرى الى الفيودالية المالية والاقتصادية الكبرى. فيقول: "انه غير مقبول ان يقال لنا ان الدولة لا يمكنها تحمل تكاليف هذه المكتسبات المواطنة، وكيف ينقص المال اللازم اليوم لتمويل ذلك, في حين ان انتاج الثروة لم يكن له سابق منذ تحرير اوربا من النازية؟ لأن قوة المال كانت محاربة من طرف المقاومة ولم تصل الى مستوى الوقاحة والتكبر مع خدامها الى أعلى مستويات الدولة كما يحدث اليوم". يتحدث أيضًا عن تعقيدات عصرنا اليوم ويقول: "ان اسباب التحاقي بالمقاومة الفرنسية كانت واضحة لكن اسباب الاستنكار اليوم ليست بالسهولة التي نعتقد في عالم جد معقد يطالبنا ايضا بالتفكير, وسوف نجد الاسباب التي تدعونا الى الاستنكار، منها الفرق الصارخ اليوم بين الفقراء والاغنياء، وضعية الكرة الارضية، معاملة المهاجرين بدون اقامة رسمية، معاملة المهاجرين والغجر، المنافسة المطلقة، ديكتاتورية السوق المالي، التراجع على مكتسبات المقاومة، التقاعد والضمان الاجتماعي.. ومن اجل الفعالية لابد ان نفعل كالامس، ان يكون رد الفعل من خلال شبكات مثل: أطاك، أمنيستي،الفدرالية الدولية لحقوق الانسان ...". وتتحدث جريدة الاتحاد الاشتراكي عن مسار هذا الرجل الاستثنائي، فهو من اصل الماني يهودي ولد سنة 1917 ببرلين، ينتمي الى عائلة مثقفة، هاجرت الى فرنسا سنة 1925، ليتابع ستيفان هيسيل دراسته بضاحية باريس, وبعد حصوله على الباكلوريا التحق بالمدرسة العليا للاساتذة ، وفي اجواء الحرب التحق بالجيش الفرنسي وفر منه اثر الاحتلال سنة1940 ليلتحق بالجنرال دوغول والمقاومة بلندن سنة 1941 وجاء في مهمة سنة 1944 وتم اعتقاله من طرف السلطات النازية وتم ارساله الى جحيم المحرقة, لكنه تمكن من الفرار نحو فرنسا. وكان ايضا احد المحررين الأساسيين للإعلان العالمي لحقوق الانسان سنة 1948. ليبقى حتى مماته اليوم في قلب معركة شرسة ضد إسرائيل، هو المناضل ذو الأصول اليهودية، الناجي من المحرقة، وأحد المحررين الرئيسيين لوثيقة الإعلان عن حقوق الإنسان. رهانات هذه المعركة، كما هي باقي معاركه، سياسية، حقوقية، إنسانية وأخلاقية. وهو بذلك احد دعائم النضال من أجل حقوق الفلسطينيين التي أحيلت على الصمت بمختلف وسائل الاعلام الفرنسية, بل ان من يتحدث وينتقد دولة الاحتلال الاسرائيلي يجد التهمة جاهزة وهي معاداة السامية, ورغم ان هيسيل يهودي ناجي من المحرقة توجه له نفس التهمة، انها قمة الجنون التي تعيشها فرنسا اليوم التي تحولت من بلد يدعم كل اشكال السخط والاحتجاج التي يعرفها العالم من أجل المساواة والحقوق ومحاربة كل اشكال الاستعمار الى بلد يمنع فيه بشكل غير رسمي الحديث عن الاحتلال الاسرائيلي لفلسطين. في العام 2009 أشار هيسيل إلى أنه يجب وضع إسرائيل على قائمة الدول "الاستبدادية" التي تجب مقاطعتها. وهذا ما أكد عليه في تصريح في شهر يونيو الماضي لما دعا إلى المقاطعة وعدم الاستثمار مع فرض عقوبات على الدولة الاسرائيلية، وهو المبرر الذي دفع بمراقبي اللاسامية بفرنسا إلى رفع دعوى قضائية ضده بتهمة «الدعوة إلى التمييز العنصري، وإلى الحقد والعنف»، تصورا ممثلي اسرائيل بفرنسا يتابعون احد الناجين من المحرقة ويتهمونه بمعاداة السامية؟ أمر لا يصدقه اي عقل ،لكنه يعكس وضع فرنسا اليوم بدبلوماسيتها ونخبها الثقافية والاعلامية تحت التأثير الاسرائيلي بعد ان كانت الدولة الغربية الوحيدة التي تتجرأ على رفض دعمها للاحتلال غير المشروع. في نهاية كتابه يدعو ستيفان هيسيل الى الانتفاضة السلمية على وسائل الاعلام ووسائل الاتصال والتي لا تقترح اي افق للشباب الا الاستهلاك الجماهيري واحتقار الضعفاء واحتقار الثقافة ... كانت هذه وصية احد ضمائر فرنسا المقاومة الى مواطنيه قبل وفاته. Tags: * ستيفان هيسيل * استنكروا * فرنسا * إسرائيل مصدر الخبر : البداية