شابٌّ في الثلاثينات من عمره ، بدت عليه ملامح الطبقة المتوسطة التي جرّفها نظام الرئيس المخلوع بمحراثه طيلة ثلاثين عاما هي عمر الشاب ، جالسٌ بجواري في إحدى وسائل المواصلات التي أفقدت عروس البحر قدرا غير يسيرٍ من سحرها ، وجهُهُ نحو قدميه ، وعيناه تلتفتان عن شماله ، تحاول في مكر أن تقف على سر الكتاب الذي أضعه على ركبتيّ . ذلك الكتاب ذي اللون الأصفر، والعنوان المخطوط باللون الأزرق اللامع ، والمحاط بظلال فضية براقة .. عابرُ سرير .. أسفل العنوان صورة تكشف عن ستارة بيضاء ، يقبع وراءها سرير في حجرة نوم . لم يكن قد لمح بعينيه اسم صاحب الكتاب ، أو صاحبته ، فقرر أن يحول وجهه نحوي ، وبابتسامة مصطنعة خاطبا بها ودي سألني : من مؤلف هذا الكتاب ؟ إنها رواية لأحلام مستغانمي . عاد وجهه فجأة إلى طبيعته حتى ظننت أنه ندم على تبسمه في وجهي ، ثم أردف قائلا : هذه المرأة لا تتحدث إلا في الجنس والحب والعواطف ، إنها كاتبةُ جنس . بدت عليّ الدهشة بعد أن انضمّ حاجبيّ إلى بعضهما ، وانكمش اتساعُ عينيّ قليلا ، ثم سألتُه : هل قرأتَ الكتاب ؟ لا ، ولكني قرأت لبعض الكتاب والنقاد عنها ، يكفي لون الكتاب المغري ، وزركشته الناعمة التي تثير حواس القاريء ليقوم بشرائه .. وأعيب وأربأ برجل مثلك أن تحمل يداه مثل هذا الكتاب . قلتُ بابتسامة عريضة : إذن يداي ملوثتان ؟ نعم هي كذلك . بدت عليّ الجدية في الحديث وعادت أساريري إلى طبيعتها ، ثم قلت : هل تعلم أن السرير في الرواية له إسقاطات على أمور أخرى غير التي بادرت إلى ذهنك ؟ وهل لم تجد إلا "السرير" ليكون مادة لإسقاطاتها !! هذه المرأة تحاول تدمير قواعدنا وتقاليدنا العربية والإسلامية ، وتنبه المرأة العربية لأشياء فيها لو استيقظت لأرهقتنا نحن الرجال ، ولأفقدتنا صفة القوامة التي منحنا الله إياها . لم أدرِ كيف أردّ على ما قاله الشاب الغريب ، ما أدريه هو أنني لم أفضّل مناقشته أو جداله فيما قال ، ولكني آثرت أن أجيبه بسؤال أبيّن له فيه وجه التناقض الرهيب في كلامه : هل تعلم أنك أخطأت في حق الله حين قلتَ كلماتك هذه ؟! كيف ؟ قلتَ إن المرأة فيها أشياء قابلة للإيقاظ ، ولكن الله يحرمها من أن توقظها رغم أنه خلقها على تركيبتها هذه ، وذلك إرضاءاً لنا نحن الرجال ، وتمكينًا لقوامتنا . لا أدري لماذا شعرتُ برداءة إجابتي له ، وتمنيت للحظات أن أتحول إلى أنثى مدة دقيقة واحدة ، فأجيبه بما ينبغي أن تكون الإجابة من أنثى .. لكني بِتُّ راضيا حين رأيت الفتاة التي أمامنا تبتسم لردّي ، وأحسست حينها أن الذكورة والأنوثة وصفان يذوبان حين تفوز مشاعر الإنسانية في معركتها مع الواقع الاليم . لم آبَهْ لبقية الحوار الذي دار بيني وبينه لأنه جاء كما توقعت ، جدليٌّ بلا طائل ، وأدركت - حين جاءت محطتي - أن الوعيَ أمرٌ لا تكفي تراتيب القدر والمصادفة وحدها أن تقوم بتشكيله .