(1) في العلوم السيكولوجيّة، يُترجم المصطلح الإنجليزيExhibitionism إلى العربيّة بواحدة من مفردتين: "الاستعراضيّة" أو "الاستعراء"، وكلتاهما سيظلّ صحيحاً، حتى العثور على ما يجمع بين المفردتين ويعبِّر عن الحالة. وهي على أي حال، نوع من الانحرافات السلوكيّة التي يلجأ فيها الفرد إلى التعري بهدف جلب انتباه المحيطين به وإثارة اهتمامهم. وبصرف النظر عن الأحكام الأخلاقيّة لمثل هذا الفعل، فإن السؤال يبقى قائماً حول الجدوى من ممارسته، إذا ما استثنينا إشباع الرغبة الاستعراضيّة المرضيّة. خلال الأسابيع الماضية، شهدنا ثلاث حالات من هذا النوع، لرجلين وامرأة، سواء بالمعنى المباشر للكلمة، أو بمعناها المجازي. ويبقى ما يجمع بين تلك الحالات، هو أنها حملت جميعها بعداً سياسيّاً، مع ادعائها الانتماء إلى "الثورة" ولتجليات الربيع العربي!. لنبدأ بالمرأة، لا من قبيل التوقير البوجوازي الذي يضع السيدات أولاً.. حتّى إلى الجحيم، ولكن لأن عريها المقصود هنا هو الأكثر مباشرة ووضوحاً، إن لم نغامر ونقول إنه الأقلّ ضرراً، والأدنى فضائحيّة. ولكن يبقى السؤال القائم أمام ممارسة فعل كهذا هو: إلى أيّ مدى يشكّل مثل هذا الأمر إساءة للمصلحة الوطنيّة ويضرّ بالثورة؟! قلنا إن هذا النوع هو أبسط أشكال العري الممارس في حالاتنا الثلاث، ونعني به العري الاحتجاجي (نشدِّد على رفضنا الإقرار بأنه "ثوري")، الذي عادت "الناشطة!" علياء المهدي إلى ممارسته في ستوكهولم مع صديقتين أوكرانيتين "متضامنتين!". وبساطة هذا النوع، تكمن في أن معنى العري فيه واضح دون لبس أو مداورة: الكشف الإرادي الحرّ عن العورة وتفاصيل الجسد. إمرأة تخلع كامل ملابسها وتجعل من جسدها لافتة احتجاجيّة وخطاباً مُشرّعاً للعيون، ضدّ واقع سياسي يبدو لها أكثر فجوراً!. وإذا ما ابتعدنا عن التقييم الأخلاقي لمثل هذا الفعل، وسلّمنا بمبدأ حريّة الفرد في اختيار أساليبه الاحتجاجيّة، فإننا نقفز إلى السؤال الأهم: إلى أيّ حدّ تسهم عمليّة تعرية الجسد إرادياً في تحقيق الهدف السياسي المطلوب؟! وهل هناك تجربة واحدة أفلحت فيها عمليّة إشهار الجسد للعيون، عن إسقاط ورق التوت عن عورة السُّلطة المستبدّة؟!. لعلياء المهدي أن تختار وسائلها الاحتجاجيّة، وأن تتصرّف بجسدها كما تشاء، فهو ملكيتها وحدها. غير أن ممارسة الاستعراء الآن، تبقى تثير السؤال حول: من يجني المنفعة السياسيّة من وراء ذلك؟!. (2) " عارٌ عليك"!! هكذا صرخ الطلاب العرب من فلسطينيي 48 في وجه عاشق إسرائيل، "الناشط!" (أيضاً) مايكل نبيل، وهو يقف في حالة استعراء سياسيّ فاضح، على منصّة الجامعة العبريّة. غير أن "الديمقراطيّة" الإسرائيليّة الأكثر عرياً وفضائحيّة، والتي أفرط نبيل بالإشادة فيها، تصدّت لأولئك الطلاب وطردتهم خارج القاعة، حرصاً على صديقها الذي يتواضع عري علياء أمام عريه. لقد حلّ نبيل إلى إسرائيل ليسمعها ما تريد، مردداً الدعوة المتهالكة للاعتراف بوجودها، كدولة "ديمقراطيّة" مسالمة، وليخرج في الوقت نفسه أعداءها التاريخيين من قبورهم لهجائهم، وفي مقدمتهم "الدكتاتور" جمال عبد الناصر، الذي كان، وفق رأيه، "معادٍ للساميّة" ومتبنياً "الفكر النازي"، والذي انضمّ في شبابه إلى ميلسشيات الإخوان المسلمين، ثم انتابته بعد وصوله إلى السُّلطة "أفكار مجنونة" دفعته إلى خوض الحروب ضدّ إسرائيل، بعد أن أضاف صفة "العروبة" لمصر.. وغيّر العلم المصري ليتشابه مع العلم النازي! هل هناك فجور أكثر من تلك الادعاءات؟! نعم. فدعوة نبيل إلى الاعتراف بإسرائيل، باعتبارها "دولة قائمة"، لم تطرح الأسئلة حول الشّعب الذي قامت على حسابه. وكيف قامت. وشرعيّة قيامها ووجودها فوق الأرض التي وقف عليها نبيل لإلقاء محاضرته بكامل عريه القبيح، الذي بعث النشوة في قلوب عتاة اليمين الإسرائيلي المتطرِّف! (3) العري السياسي المجازي نفسه، والذي يفوق كلّ عري، هو الذي مارسه، إلى جانبمايكل نبيل، القيادي الإخواني عصام العريان (وله من اسمه نصيب!)، حين وقف باستعراضيّة أفرطت في خدشها لكلّ حياء، داعياً لعودة يهود مصر إلى بلدهم.. "التي أخرجهم منها عبد الناصر"، مبرئاً إسرائيل والإخوان من مسؤولياتهما عن ذلك. (ولكن يبدو أن هجاء عبد الناصر هو من متطلبات "الستربتيز" السياسي أمام الإسرائيليين!). ولأن مثل هذه الدعوة تنطوي على استعراض فاضح للمفاتن الإخوانيّة أمام الغرب وإسرائيل، فقد غلّف القيادي الإخواني دعوته بخطاب يغازل أمنيات الشّارع العربي وأحلامه العريضة: إسرائيل انتهت.. وليس أمامها سوى عقد من الزمان لينهار كيانها نهائياً (وفي السنوات العشر إمّا أن يموت العريان أو يتبدّد الإخوان أو يُطوينا الزمان!). ربما يدرك العريان أن "وعده" لليهود هو كلام مسترسل، لا يقوم على أسس سياسيّة وفكريّة وتاريخيّة مقنعة، تأخذ بعين الاعتبار حقوق الشعب الفلسطيني.. أو حتى الشّعب المصري نفسه. فلا السلام العربي الإسرائيلي تحقّق، ولا المصالحة التاريخيّة تلوح في آفاق الكراهية والعدوان الإسرائيلي المتواصل. وليس ثمّة تباشير توميء إلى أن حُكم الإخوان يهيئ للسقوط المادي لإسرائيل، لنشهد قريباً النهاية المدوية للكيان الدخيل! إن لم يكن هذا الحكم قد قدّم (وباعتراف أميركي صريح) الضمانات الكافية لحماية المصالح الإسرائيليّة، وتكريساً لكيان لم يذكره الرئيس المصري الإخواني، حتى الآن، بكلمة عداء واحدة!؟. العريان لن يخفي عريه. فالملك الذي سار عارياً في الحكاية، وجد من يشيد بملابسه الفخمة، لكنه سمع صوتاً ينطلق من بين الجموع صائحاً: يا للعار.. إن الملك يسير عارياً!. هنا، ثمّة امرأة تقف عارية في الشّارع، فيختنق فيها صوت الجسد وخطابه الاحتجاجي المبهم. ورجلان يقفان إلى جانبها يتأملان عريها، فيما ينطلق من بين الجموع صوتٌ صارخ: رجلان عاريان يتأملان عري امرأة عارية.. يا للعار!. (نقلا عن الأيام الفلسطينية)