وزير الأوقاف يشارك في فعاليات القمة الدولية الثامنة لزعماء الأديان    طريقة تجديد بطاقة الرقم القومي إلكترونيًا 2025    مدبولي يكشف موعد الطروحات الحكومية الجديدة    رابط الاستعلام عن مخالفات المرور وطرق سدادها إلكترونيًا    مدبولي: الانتقال من الدعم العيني للنقدي تدريجيا.. والتطبيق في محافظة واحدة    «الوطني الفلسطيني»: مجزرة حي الدرج بغزة تستدعي النظر العميق لتطورات الوضع الراهن    المفتي العام للهند يرحب بموقف بلاده في الأمم المتحدة الداعم لإقامة دولة فلسطينة    وفاة عمر عبد الله أسطورة غزل المحلة    بيريز يلتقي لونجوريا قبل مواجهة ريال مدريد ومارسيليا    أمن الإسماعيلية يكشف حقيقة فيديو مشاجرة عنيفة بين سيدتين    وزير المالية: زيادة 80 % فى حجم الاستثمارات الخاصة أول 9 أشهر من العام المالى    رئيس هيئة النيابة الإدارية يلتقي معاوني النيابة الجدد    السياحة والآثار تكشف التفاصيل الكاملة لاختفاء إحدى الأساور الأثرية من المتحف المصري بالتحرير    استشاري صحة نفسية تحذر من التقليل والإهانة في تربية الأطفال (فيديو)    سارة سلامة بفستان قصير.. ما سر ارتدائها اللون الأسود؟    محافظ الشرقية يترأس اجتماع اللجنة العليا لبحث ومناقشة طلبات المستثمرين    منتخب مصر للكرة النسائية تحت 20 سنة يختتم تدريباته قبل السفر إلى غينيا الاستوائية    رغم طرحه غدا في دور العرض.. مهرجان الجونة يتمسك بعرض فيلم عيد ميلاد سعيد في الافتتاح    ورش فنية وعروض تراثية في ختام القافلة الثقافية بقرية البصرة بالعامرية    ميار شريف تتأهل للدور الثاني من بطولة تولينتينو الإيطالية للتنس    مفتي الجمهورية: الحروب والجهل والتطرف أخطر ما يهدد التراث الديني والإنساني    تنظيم معسكرات بالتنسيق مع الشباب والرياضة في بني سويف لترسيخ التعامل مع القضية السكانية    مدرب بيراميدز: لا نخشى أهلي جدة.. وهذا أصعب ما واجهناه أمام أوكلاند سيتي    وزير الري: تعزيز التعاون مع البحرين في مشروعات معالجة المياه    تأجيل محاكمة 111 متهما بقضية "طلائع حسم" لجلسة 25 نوفمبر    تجديد حبس المتهم بقتل زوجته بطعنات متفرقة بالشرقية 45 يوما    انتبه.. تحديث iOS 26 يضعف بطارية موبايلك الآيفون.. وأبل ترد: أمر طبيعى    صور | جريمة على الطريق العام.. مقتل عامل ونجله في تجدد خصومة ثأرية بقنا    جامعة قناة السويس تعلن مد فترة التسجيل ببرامج الدراسات العليا حتى 30 سبتمبر    إطلاق قافلة "زاد العزة" ال38 إلى غزة بحمولة 122 ألف سلة غذائية    برشلونة يحدد ملعب يوهان كرويف لمواجهة خيتافي في الجولة الخامسة من الليجا    وزير التعليم العالي: استعداد الجامعات الأهلية للعام الدراسي الجديد ب192 برنامجًا وتوسّع في المنح الدراسية    اتحاد المصدرين السودانيين: قطاع التصنيع الغذائى فى السودان يواجه تحديات كبيرة    ريهام عبد الغفور تفوز بجائزة أفضل ممثلة عربية في مهرجان "همسة"    خارجية السويد: الهجوم العسكرى المكثف على غزة يفاقم الوضع الإنساني الكارثى    هل سمعت عن زواج النفحة؟.. دار الإفتاء توضح الحكم الشرعى    موعد شهر رمضان الكريم وأول أيام الصيام فلكيًا    كامل الوزير: مصر أصبحت قاعدة لتصنيع وتصدير المركبات الكهربائية للعالم    وكيل صحة الدقهلية يتفقد مستشفى دكرنس المركزي    محافظ المنيا: ندعم كافة مبادرات الصحة العامة لتحسين جودة الرعاية الطبية    11 طريقة لتقليل الشهية وخسارة الوزن بشكل طبيعي دون أدوية    وزارة الصحة تطلق خطة لتأهيل 20 ألف قابلة وتحسين خدمات الولادة الطبيعية    أستاذ فقه: الشكر عبادة عظيمة تغيب عن كثير من الناس بسبب الانشغال بالمفقود    وزير الكهرباء: الاستخدامات السلمية للطاقة الذرية حقٌ أصيل لجميع الدول    وزير الأوقاف لمصراوي: أتأثر كثيرا ب د. علي جمعة.. والرسول قدوتي منذ الصِغر    السكك الحديدية: إيقاف تشغيل القطارات الصيفية بين القاهرة ومرسى مطروح    99.1% هندسة بترول السويس و97.5% هندسة أسيوط بتنسيق الثانوي الصناعي 5 سنوات    أمين الإفتاء: الكلاب طاهرة وغسل الإناء الذي ولغ فيه أمر تعبدي    مدرب الهلال: لودي اختار قراره بالرحيل.. ويؤسفني ما حدث    أوباما: تنازلت عن مستحقاتي من أجل الزمالك ولن أطالب بالحصول عليها    وزير التعليم: المناهج الجديدة متناسبة مع عقلية الطالب.. ولأول مرة هذا العام اشترك المعلمون في وضع المناهج    اختلف معها فطعنته.. التحقيق مع سيدة بتهمة الاعتداء على زوجها في الشرقية    ميرتس يسعى لكسب ثقة قطاع الأعمال ويعد ب«خريف إصلاحات» لإعادة التنافسية لألمانيا    الإفتاء تحذر من صور متعددة للكذب يغفل عنها كثير من الناس    ترامب يستبعد شن إسرائيل المزيد من الضربات على قطر    ترامب يعلن مقتل 3 أشخاص باستهداف سفينة مخدرات من فنزويلا    تعرف على برجك اليوم 2025/9/16.. «العذراء»: ركّز على عالمك العاطفى .. و«الدلو»: عقلك المبدع يبحث دومًا عن الجديد    إبراهيم صلاح: فيريرا كسب ثقة جماهير الزمالك بعد التوقف    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رحم الله قراقوش
نشر في المشهد يوم 26 - 11 - 2012

تعتبر نظرية "الأنماط الجامدة" التي درسناها ونحن طلبة على مقاعد الدراسة في كليات الإعلام، واحدة من أكثر النظريات شيوعا، ليس في وسائل الإعلام فقط، وإنما في المجتمعات البشرية على مستوى الأفراد والجماعات، رغم أنها تضع الأشخاص والأفكار في نمط معين، وتضفي عليهم أوصافا قد لا تنطبق كلها انطباقا كاملا، لكنها تفترض أنه طالما وضع هذا الشخص أو الفكرة في "نمط معين"، فإن كل الأوصاف التي تتعلق بهذا النمط تنطبق عليه.
كان كل من "الأسعد بن مماتي" و"بهاء الدين قراقوش" من رجال "صلاح الدين الأيوبي"، حيث كان "ابن مماتي" يتولى ديوان الجيش والمالية، بينما كان "قراقوش" قائدا عسكريا كبيرا، لعب دورا مهما في تثبيت أركان حكم صلاح الدين، والسيطرة على حالة الفوضى التي عمت مصر بعد موت الخليفة "العاضد" آخر خلفاء الدولة الفاطمية، ومحاولة بعض رجاله الدخول في صدام مع صلاح الدين، لبقاء مصر تحت راية الفاطميين.
لذلك عهد إليه صلاح الدين بمهام كبيرة، منها بناء قلعة "الجبل" المعروفة بقلعة "صلاح الدين"، التي ظلت مقرا للحكم في مصر حتى نقل الخديوي إسماعيل مقر الحكم إلى قصر عابدين في ستينات القرن التاسع عشر، ومنها قلعة "المقياس" في جزيرة الروضة، و"سور مجرى العيون" الذي ينقل المياه من فم الخليج حتى القلعة، والقناطر الخيرية، ومنها إعادة بناء ما تهدم من سور "عكا" وحصنها، بعد طرد صلاح الدين للصليبيين من "بيت المقدس" وزحفه لامتلاك الحصون الأخرى.
وقد صمد "قراقوش" أمام الصليبيين الذين عادوا فحاصروا الحصن عامين كاملين، قبل أن يتمكنوا من اقتحام أسوار "عكا" وأسر من فيها، حيث بقي "قراقوش" في الأسر حتى افتداه صلاح الدين وفك أسره لمقامه عنده.
ورغم كل هذا التاريخ المشرّف، الممتد على مدى ثلاثين عاما في خدمة صلاح الدين الأيوبي وابنه، المليء بالأعمال العسكرية والمعمارية لبهاء الدين قراقوش، إلا أن اسمه ظل مرتبطا في الذاكرة الشعبية بالحاكم الذي جمع بين البطش والغباء، بسبب كتاب ألفه "الأسعد بن مماتي" في إطار الصراع على النفوذ بين رجال "صلاح الدين الأيوبي"، أسماه "الفاشوش في حكم قراقوش".
في هذا الكتاب استطاع "ابن مماتي" أن يحول "قراقوش" إلى شخصية هزلية، وأن يطمس كل المنجزات التي ذكرها المؤرخون، وأن يجعل منه رمزا للحاكم الظالم الأحمق، من خلال عدد من القصص والمواقف الهزلية التي مر علينا الكثير منها في حكايات "جحا" ونوادر "أشعب" المعروفة، إلى درجة أننا ونحن نقرأ هذه القصص والمواقف، نخلط بين الشخصيات الثلاث ولا نكاد نفرق بينها، بل إن بعض هذه القصص والنوادر يرد مرة باسم الشخصية الأولى، ومرة باسم الثانية، ومرة باسم الثالثة.
هل كتب "ابن مماتي" كتابه هذا سخطا على الدولة الأيوبية التي كان أحد رجالها، أم أراد السخرية ممن تستخدمهم دولته من الأجانب، حيث كان "قراقوش" ينحدر من أصول تركية، بينما كان "ابن مماتي" مصريا ينحدر من أصول قبطية؟ سؤال يختلف المؤرخون حول إجابته، لكنهم لا يختلفون حول أن "قراقوش" قد تحول بسبب هذا الكتاب إلى شخصية هزلية، كما لا يختلف الدارسون على أنه أصبح رمزا للحاكم الذي يجمع بين البطش والغباء، وغدت كلمة "حكم قراقوش" دارجة على ألسنة العامة والكتاب والمثقفين على حد سواء، دون البحث والسؤال عمن يكون "قراقوش" هذا، وإلى أي مدى كان ظالما أو مظلوما في التاريخ أو على صفحات كتاب "الأسعد بن مماتي".
قليل منا الذين يعرفون "قراقوش" الذي أنصفه المؤرخون ولم يختلفوا على ما قدمه لمصر إبان حكم الدولة الأيوبية، لكن الأكثرية الغالبة من المصريين وغيرهم لا يعرفون سوى "قراقوش" الذي حفظته الذاكرة الشعبية، وجعلت منه رمزا للجمع بين التسلط والغباء.
هذا "الرمز" أو "النمط الجامد" أو "النموذج الجاهز" الذي نستدعيه كلما دعت الحاجة، نراه كل يوم أمامنا، في المستويات الإدارية المتعددة من دوائر العمل التي نشاهد فيها نماذج مختلفة من "قراقوشات" نمطية متسلطة، وفقا للذاكرة الشعبية المغلوطة، لكنها تبقى "قراقوشات" أقل ضررا وأكثر احتمالا، إذا ما قارناها بقيادات "قراقوشية" تربعت على قمة السلطة في بعض البلدان، جاءت حاملة لواء الحرية والثورة على الأنظمة الاستبدادية التسلطية.
كما سمعنا في البيانات الأولى لتلك الثورات، أو كما حاول زعماؤها أن يصوروا لنا من خلال الخطب الثورية التي كانوا يتحفوننا بها في كل مناسبة، وبدون مناسبة أحيانا، حتى إذا جاء ما توهمناه ربيعا، وجدنا أنفسنا أمام "قراقوشات" من نوع جديد، تختلف عن "قراقوشات" ما قبل الربيع شكلا، لكنها تتفق معها مضمونا ونهجا.
يقول "ابن مماتي" في إحدى القصص التي يوردها في كتابه "الفاشوش في حكم قراقوش"، إن رجلا شكا إلى "قراقوش" تاجرا أكل عليه أمواله، فاستدعى "قراقوش" التاجر وسأله عن السبب، فقال التاجر: "ماذا أفعل أيها الأمير، كلما وفرت له الأموال لأسدد له دينه بحثت عنه فلم أجده؟"، فتفكر "قراقوش" كعادته ثم حكم بأن يُسجَن الرجل صاحب الدين حتى يعرف المدين مكانه حين يريد تسديد الدين له، فهرب الرجل قائلا: "أجري على الله".
أما نحن فنقول: يبدو أن "قراقوشات" ما بعد الربيع يريدون أن يسجنوا شعوبهم، حتى إذا ما فرغوا من تحقيق الديمقراطية التي وعدوهم بها، عرفوا مكانهم كي يطبقوها عليهم!
رحم الله "قراقوش" الذاكرة الشعبية، إن صدقت الحكاية، وجزاه عنا خير الجزاء
(نقلا عن البيان - الامارات)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.