يعتبر القضاء من المؤسسات التي تحظي بنسبة عالية من توريث الوظائف في مصر، مثله في ذلك مثل باقي مؤسسات المجتمع، حتى أن نسبة التوريث في بعض الدفعات وصلت نحو 30% كما حدثث في 2012 في الوقت الذي كان يتوقع فيه المصريين أن تكون هذه الدفعة خالية من فيروس التوريث باعتبارها أول دفعة يتم تعينها بعد الثورة والانتخابات الرئاسية، ولكن فيروس التوريث كان أكثر صلابة من كل الثورات والانتخابات، فلم تخل أول دفعة للنيابة العامة التي صدق على تعينها الرئيسي الاسبق محمد مرسى من لقب أبن أو أخ وأبن عم أو أبن شقيق أحد المستشارين بالسلك القضائى، حيث حصل العاملين بالقضاء على 62 مقعداً من من إجمالي 270 عضو نيابة تم قبولهم بتلك الدفعة وكان من بينهم 42 أبناء للمستشارين والقضاه و20 أخرين تربطهم صلة قرابة بالعاملين في السك القضائي. وبالرغم من ذلك كانت مؤسسة القضاء أول من إنتصر لحقوق الفقراء وأطلق رصاصة قوية على طاعون التوريث المنتشر في البلاد، عندما أصدرت محكمة القضاء الإدارى بالبحيرة حكمها التاريخي في التاسع من مايو الجاري بإنصاف أحد أبناء الفلاحين ضد مسئول شركة الصرف الصحي بالبحيرة الذي حجز وظيفة لأبنه على حساب أحد الفقراء، متجاهلاً تفوقه الدراسي، ومتمسكا بوباء التوريث الذي التهم ثروات البلاد وقزم دورها وأعاق تقدمهاعلى مدار السنوات الماضية. الغريب أن المسؤولين في مؤسسات الدولة لازالوا يعتبرون التوريث حق مكتسب، بل قانون واجب التنفيذ، فقد أعتبرت الشركة المملوكة للدولة "شركة البحيرة للصرف الصحي" توصية رئيس مجلس الادارة باستثناء أبنه وحجز الوظيفة له أشد تأثيراَ وأقوى من القانون، وأهم من التفوق الدراسي، فقامت بحجز الوظيفة لأبن المسؤول على حساب أبن الفلاح الفقير، حتى أطلق القضاء رصاصته على عورات التعين واستبداد المسؤولين وضياع حقوق المواطنين. وفي الوقت الذي شعر فيه أبناء الفلاحين والمهمشين بالأمل بعد هذا الحكم، خرج وزير العدل المنوط به تحقيق العدالة ليعلن أنه ليس من حق أبناء العاملين في النظافة الالتحاق بالقضاء قائلاً "مش لدرجة دي" متناسيا أن من قادوا تحرير البلاد والعباد وحمو الأوطان كانوا من البسطاء، والكثير من العظماء في العالم خرجوا من تحت تركام الفقر وجحيم المعاناة، متجاهلاً أن الظروف اجبرتهم على ذلك في ظل نظام قائم على المحسوبية والتوريث في التوظيف، علماً أن عامل النظافة وغيره من المهن الحرفية في دول العالم يحظون بنفس القدر من الاهتمام والرعاية والتوجيه والتعليم التي يحظى بها كبار المسؤولين، ولابنائهم الحق في الالتحاق بكل الوظائف العامة طالما تنطبق عليهم الشروط. كنا نتوقع من الوزير أن يكون مهموم بتحقيق العدالة الاجتماعية ويؤكد أن الوظائف في الدولة للمتفوقين والمتميزين وأن زمن التوريث انتهى، ولكن يبدو أن من" شب على شيء شاب عليه" فالحكومة لازالت تستكثر على المهمشين الأمل في التغير والالتحاق بالوظائف العامة وغير قادرة على الخروج من جلباب الفساد والاستبداد والتوريث. هذا الحكم التاريخي يعتبر طوق النجاة للحكومة قبل الشعب إذا أرادت الحكومة حقاً أن تعيد للقانون هيبته وللدولة مجدها والاستفادة من أبنائها المتفوقين بدلاُ من نظام التوريث الذي أدي إلى تراجع مصر على كل مستويات، بعدما اسندت المهام والوظائف لاشخاص لايملكون المهارات والكفاءات وإنما يملكون صك التوريث الذي كان ولازال أهم شهادة في أوراق التعينات. من العدد المطبوع من العدد المطبوع