أثار مشروع القانون الساعي إلي حظر النقاب في الأماكن العامة الذي طرحته الحكومة الفرنسية مؤخراً جدلاً كبيراً حول مغزاه وعواقبه كما أثار ردود أفعال إسلامية غاضبة. وعلي الرغم من تحذير مجلس الدولة الذي يعد أعلي هيئة للقضاء الإداري في فرنسا من أن الحظر الشامل للنقاب يمكن أن يكون موضع نزاع قانوني، إلا أن رئيس الوزراء الفرنسي فرنسوا فيون أعلن أن مشروع القانون سيعرض علي الجمعية الوطنية في يوليو المقبل. وقد اعترض كل من رئيس الجمعية الوطنية برنار اكوايور ورئيس مجلس الشيوخ جيرار لارشيه علي مشروع قانون وطالبا لقاء رئيس الحكومة الفرنسية لرفض احالته علي الجمعية الوطنية. ووفقاً للقانون المقترح، سيت تغريم من تخالفه بغرامة تتراوح من 15 إلي 25 يورو، وقد تصل العقوبة إلي السجن لمدة سبعة أيام. أحد أشكال الإسلاموفوبيا وتعد هذه القضية امتداداً للخوف الأوروبي من الجاليات المسلمة المقيمة بها والذي يعتبره بعض المحللين وأحد أشكال الإسلاموفوبيا التي بدأت تتصاعد بقوة في الغرب كرد فعل علي أحداث 11 سبتمبر 2001 أخذت مظاهر متعددة من معارضة اليمينيين المتطرفين وحظر ارتداء الحجاب في المدارس ومؤخراً حظر بناء المآذن بالإضافة إلي حوادث الاعتداءات علي الرموز الإسلامية كما حدث في قضية الرسوم الكرتونية المسيئة للرسول. وتتوالي منذ تورط بعض مسلمي أوروبا في حادث تفجير برجي التجارة العالمية في الحادي عشر من سبتمبر 2001، شواهد تزايد العداء للمسلمين في أوروبا والتشكيك في انتمائهم لأوروبا أكثر من انتمائهم لأجندة إسلامية. وفي فرنسا، ومنذ حظر ارتداء الحجاب في المدارس عام 2004، أثيرت قضية الحريات التي تكفلها المباديء الفرنسية لمواطنيها ومنها حرية العقيدة. وفي المقابل، بدأت الهوة تزداد بين مسلمي فرنسا المقدر عددهم فيما بين 5 و7 ملايين مواطن وبين حكومتها. وبدأ النقاش حول حظر النقاب منذ فترة، غير أنه أثير مؤخراً عقب توقيف امرأة تقود سيارة وهي منتقبة وأدت إجراءات تغريمها غرامة سير إلي الكشف عن عملية تعدد زوجات سرية لزوجها الياس حباج ذي الأصول الجزائرية والمنتمي لجماعة التبليغ السلفية. وبذلك كشفت عملية توقيف السيدة المنتقبة عن عملية تحايل علي القانون الفرنسي إذ تبين أن الزوج الفرنسي متزوج من أربع نساء ولكنه تحايل علي القانون بتسجيل زوجة واحدة فقط، بينما قامت الزوجات الأخريات بالتقدم إلي الشئون الاجتماعية لتحصيل الدعم الحكومي للنساء المعيلات. النقاب مساس بكرامة المرأة ويقدر عدد السيدات اللاتي ترتدين النقاب في فرنسا بنحو 1900 سيدة غالبيتهن من ذوات الأصول الأفغانية. وكان الجدل حول انتشار هذه الظاهرة قد تزايد في الشهور الأخيرة وعبر عن الخوف الفرنسي من انتشار المد المتشدد بين مسلميها الذين يمثلون أكبر أقلية مسلمة في دولة أوروبية. وشهد هذا الخوف جانباً آخر عندما طلب وزير الداخلية بريس هورتفو من وزير الهجرة والاندماج والهوية الوطنية اريك بيسون، مطالباً إياه بتجريد الزوج من هويته الفرنسية نظراً لمخالفته القانون. غير أن هذا الطلب تسبب في احراج كبير للحكومة الفرنسية ولا سيما من المعارضين اليمينيين الذين استغلوا الفرصة لاتهام الحكومة بسوء ترتيب أولويات الشعب الفرنسي. وفي الوقت الذي وصف فيه الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي ارتداء النقاب بأنه غير مرحب به في فرنسا وبأنه مساس بكرامة المرأة، قال لوك شاتل، الناطق باسم الحكومة الفرنسية، إن مشروع القانون يهدف إلي عدم السماح باتساع ظاهرة ارتداء التقاب، وأضاف "نضع قوانين للمستقبل لأن ارتداء البرقع دليل علي انطواء مجموعة علي نفسها ورفض قيمنا". أما وزيرة العدل الفرنسية ميشيل اليوماري فقد وصفت مشروع القانون بأنه محاولة لدمج مسلمي أوروبا، وأضافت "إن المبدأ الأول في فرنسا هو حرية العقيدة، واحترام جميع الأديان علي قدم المساواة، وحرية كل فرد في ممارسة معتقداته، لذلك نحن نسمح ببناء جميع المنشآت الدينية فوق الأراضي الفرنسية وهذه ليست الحال في جميع البلدان، ولأن المبدأ الثاني للجمهورية هو رفض الطائفية نرفض بالتالي أن يعيش البعض في مجتمع مغلق، له قواعده الخاصة، ولا يعيشون مع جميع الناس" ليس فرضاً دينياً أما رد فعل استقبل المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية فقد جاء معتدلاً، واكتفي ممثلو المجلس في لقائهم مع رئيس الوزراء الفرنسي فرانسوا فيون بالاعتراض علي إقراره بشكل تام في فرنسا. وأعلن المجلس أن النقاب ليس فرضاً دينياً ولا يؤيد انتشاره في فرنسا ولكنه يري أنه لابد من التمهل في النظر إلي القانون حتي لا يتم المساس بحريات المسلمين. وهو ما طالب به أيضاً طالب عميد مسجد باريس دليل بوبكر وأشار إلي "أن مسلمي فرنسا يحترمون قانون الجمهورية إلا أن التفكير يجب أن يتعلق بإطار تطبيق هذا القانون". وفي الوقت نفسه، أيد إمام مسجد في دراسني نشط في مجال الحوار الإسلامي مع اليهود مشروع قانون حظر النقاب مؤكداً أنه لا أساس له في الإسلام بل إنه يعكس فكراً يسيء للدين الإسلامي، ووصف النقاب بأنه "سجن للنساء ووسيلة للهيمنة الجنسية وتلقين التشدد الاسلامي". وطالب الإمام شلغومي التونسي الأصل بعدم منح الجنسية الفرنسية للمهاجرات المنتقبات، مفسراً "حمل الجنسية الفرنسية يعني الرغبة في المشاركة في المجتمع والمدرسة والعمل. لكن مع وجود قطعة من القماش علي وجوههن .. ما الذي يمكن أن تتبادله هؤلاء النساء معنا؟ اذا كن يرغبن في ارتداء النقاب فيمكنهن الذهاب الي دولة يكون فيها النقاب تقليدا مثل السعودية". انتقاد فرنسي ودولي انتقد رئيس الوزراء الاشتراكي السابق لوران فابيوس موقف ساركوزي علي أساس أنه لا يتطابق مع القوانين، واتهمه باختلاق مشاكل جديدة واتباع سياسة تؤدي إلي توتير المجتمع الفرنسي. أما الحزب الشيوعي فانتقد تجاهل الحكومة لرأي المجلس الدستوري الذي قال إنه لا يؤيد منعاً تاماً للنقاب. كما أثار موضوع حظر النقاب استياء العديد من المنظمات الحقوقية، وقالت منظمة العفو الدولية إن هذا الحظر "ليس ضرورياً ولا متوازناً" وإنه "ينتهك الحق في حرية التعبير والمعتقد لدي النساء اللواتي اخترن التعبير عن هويتهن أو عقيدتهن بهذه الطريقة". أما منظمة هيومن رايتس ووتش فقد وصفت حظر النقاب بأنه "ينتهك حقوق اللواتي اخترن ارتداءه ولا يساعد في شيء المرغمات علي ارتدائه". وانتقدت منظمات إسلامية وجماعات معنية بحقوق الانسان، الخطوة التي يعتزم البرلمان البلجيكي الاقدام عليها بشأن حظر النقاب، وقالت إن الحظر يعد انتهاكًا لحق من ترغبن في ارتدائه. وانتقدت صحيفة "ليبراسيون" الفرنسية موقف الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي من النقاب وتهكمت علي وضع قانون ضد "قطعة من القماش لا ترتديها سوي بضع مئات من النساء". ووصفت الصحيفة القرار بأنه يحوي ملامح عدم التسامح. توجه أوروبي لحظر النقاب وعلي غرار المشروع الفرنسي، طرحت بلجيكا مشروعاً مماثلاً في البرلمان البلجيكي. وحظي مشروع القانون الخاص بحظر النقاب التي ترتديه نحو 30 امرأة مسلمة في بلجيكا بتأييد الأحزاب الخمسة المشاركة في الائتلاف الحكومي، كما صوت النواب البلجيكيون من كل الأطياف السياسية واللغوية في إجماع نادر، بغالبية 136 صوتاً وامتناع نائبين اثنين، علي نص يحظر النقاب ليس فقط في المصالح العامة بل أيضا في مجمل الأمكنة العامة بما فيها الشوارع. وفي النمسا، شنت وزيرة المرأة التابعة للحزب الاشتراكي الديمقراطي جابريلا هوسك هجوماً علي النقاب، وأعلنت عن عزم حكومتها علي إصدار قانون بحظر النقاب، وقالت "أرفض ارتداء المرأة للبرقع لأنه يوحي بانعزل المرأة". واقتداءاً بأوروبا، بادرت عضو الكنيست مارينا سولوديكين من حزب "كاديما" الاسرائيلي لصياغة مشروع قانون بحظر النقاب، وصرحت لموقع معاريف الالكتروني "أنا من مواليد الاتحاد السوفيتي، وما فهمته أوروبا الآن ادركه السوفيت في عشرينيات القرن الماضي حينها حظروا علي النساء المسلمات ارتداء هذا اللباس لادراكهم باستحالة الحديث عن مساواة النساء من حيث فرص العمل والتعليم وهن يرتدن البرقع ولهذا قرروا منعه". بررت عضو الكنيست رفضها ارتداء النساء في إسرائيل للنقاب علي طريقة طالبان بأنه لا يستهدف المسلمات فقط وإنما النساء من كل الطوائف والأديان. يذكر أن أكثر من نصف الأوروبيين يعترضون أيضاً علي ارتداء الحجاب في المدارس طبقاً لاستطلاع رأي أجري مؤخراً في أسبانيا لأفراد من 12 من دول الاتحاد. قرار يفضي إلي العزلة مشروع قانون حظر النقاب الذي يسعي إليه ساركوزي هو مشروع قرار يفضي إلي عزلة المسلمين في فرنسا بدلاً من أن يمهد إلي سبل دمجهم في المجتمع الفرنسي. اختلاف الآراء حول شرعية ارتداء النقاب من عدمها لا ينبغي أن تكون لها علاقة بالجدل الدائر حول حظر النقاب لأن الأساس القانوني لهذا الجدل ما هو إلا محاولة تقنين ما يتعارض مع الحريات الشخصية للأفراد ومع حرية ممارسة معتقداتهم الدينية. الجدل القائم هو بلا شك إشارة إلي استمرار الإشكاليات المحيطة بالجاليات المسلمة في أوروبا والمحيطة باندماجهم في المجتمع الأوروبي. منبع الإشكاليات مشترك بين المسلمين وبين الحكومات الأوروبية. فإذا كانت بعض ممارسات المسلمين في أوروبا قد ولدت الخوف من نمو سلفية متطرفة لها أجندة سياسية رافضة للمجتمع الأوروبي، فإن القرارات الحكومية المتوالية التي تجرد المسلمين حقوقهم وحرياتهم تدريجياً قد ساهمت في اعطاء المبررات لمسلمي أوروبا لرفض اندماجهم في المجتمع الأوروبي.