انفضوا غبار التقليد.. واهدموا الحجب التي تحول بينكم وبين آيات القرآن وبتن الأحاديث من الأقوال الصائبة للشيخ «محمد عبده»: «الناظر في أحوال المسلمين يجد الوحدة في الصفات ولشمول في جميع الاعتبارات، فلو أخذ مسلما من شاطئ «الأطلنطيقي» وآخر من تحت جدار "الصين" لوجد كلمة واحدة تخرج من فمهما وهي: "إنا وجدنا آباءنا علي أمة، وإنا علي آثارهم مقتدون" وهم أعداء لكل مخالف لما هم عليه وان نطق به كتاب الله، اللهم إلاّ فئة نفضت غبار التقليد، وأزالت الحجب التي كانت تحول بينها وبين النظر في آيات القرآن ومتون "الأحاديث" لتفهم أحكام الله منها» أ ه. نحن إذن أمام غالبية يغشاها غبار التقليد، وفئة نفضت هذا الغبار وأزالت الحجب، وتفكرت في القرآن والأحاديث لتفهم أحكام الله. وهؤلاء وأولئك يرفعون لافتاتهم علي نصوص وأدلة.. فيقول الأولون: - الإسلام دين ودولة، والحكم بما أنزل الله واجب، فالقرآن قائل بالنص: «ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون». - المقصود بما أنزل الله هو القرآن الكريم والأحاديث النبوية، فقد قال تعالي عن رسوله: «وما ينطق عن الهوي إن هو إلا وحي يوحي» فالقرآن وحي باللفظ والمعني، والحديث وحي بالمعني واللفظ من الرسول «صلي الله عليه وسلم». - الأحاديث المدونة في كتب الأحاديث الستة «البخاري، مسلم، الترمذي، ابن ماجه، النسائي، وأبوداود» هي أحاديث صحيحة صدرت عن رسول الله حقا ويقينا. - الرسول ليس فقط مبلغا لكتاب الله، وإنما مشرّع أيضا، يضيف وينشئ أحكاما سكت عنها القرآن الكريم. - إذا وجد خلاف بين الآية القرآنية والحديث يؤخذ بالحديث.. «ولذلك أخذوا بحديث" "يعذب الميت ببكاء أهله عليه" رغم مخالفته لآية «ألا تزر وازرة وزر أخري» واعتمدوا حديث «لا يقتل مسلم بكافر» مع أنه يخالف النص القرآني: «النفس بالنفس». - إن بالقرآن آيات ناسخة ىُعمل بها وآيات منسوخة لا يعمل بها، فالآية الخامسة من سورة «التوبة» - علي سبيل المثال- نسخت كل الآيات التي تأمر بالسلام والوئام مع غير المسلمين، ولذلك فالناس في الدنيا في إحدي دارين: «دار الإسلام» أو «دار الحرب». - أقوال الصحابة وآراء فقهاء السلف وتفسيرهم للقرآن واجب الاتباع حيث إنهم الأكثر فهما للنصوص، والأكثر إحاطة لعلوم الدين. - الاجتهاد في الدين أغلقت أبوابه وأحكمت أرتاجه ولا زيادة لمستزيد فما ترك الأوائل للأواخر شيئاً. وتحت ظلال هذه اللافتات اعتمد المسلمون أحكاما لم ينزلها الله عز وجل في كتابه الحكيم مثل: قتل المرتد.. رجم الزاني المحصن.. قتل من لا يحكم بما أنزل الله.. قتل من يتعرض للدين أو رموزه بالقول أو الفعل أو الإشارة.. جلد شارب الخمر.. تغيير المنكر باليد.. نشر الإسلام بالسيف.. استرقاق الأسري وسبي النساء في الحروب.. دخول الجن أجسام بني آدم.. النساء عامل شؤم ومثيرات فتنة وناقصات عقل ودين.. التركيز علي مجرد قراءة القرآن «الأهم هو التطبيق» والتسبيح والتهليل وإهمال فقه المعاملات.. السمع والطاعة للأمير ما أقام الصلاة. ثم قامت الفئة التي ذكرها الشيخ «محمد عبده» التي نفضت غبار التقليد، وأزالت الحجب التي كانت تحول بينها وبين النظر في «آيات القرآن» و«متون الأحاديث» لتفهم أحكام الله منها.. وبعقل صافٍ أمام التفاسير والمرويات، وصلت إلي أن ماعاناه المسلمون بعد عصر الرسول والخلفاء الراشدين راجع إلي تأويلات للقرآن، وانتحال للأحاديث، وتحريف للتاريخ.. وكان ذلك تحقيقا لما جاء في حديث الرسول - صلي الله عليه وسلم-: «يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين "من الغلو" وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين».. كما كان محاولة لتعديل حال المسلمين الذي وصفه الشيخ «محمد عبده» بقوله: «إن المسلمين اليوم يطبقون بالفعل تعاليم الإسلام، لكنه ليس إسلام القرآن والسنة وإنما إسلام المؤرخين والمتكلمين والفقهاء». وهؤلاء الآخرون يحاورون الأولين بالعقل والنقل.. ويقولون: 1- نعم، إن الحكم بما أنزل الله واجب، لكننا لا ينبغي أن نحبس أنفسنا في قوالب ولنتذكر أن الخليفة «عمر بن الخطاب» - رضي الله عنه- حين عطل نصوصا قرآنية محكمة كان ذلك - كما قال «العقاد» - «فهما صحيحا للنص وليس تعطيلا له» فحيث تكون «المصلحة» يكون شرع الله.. وتكاليف الشريعة - كما يقول الإمام «الشاطبي» ترجع إلي حفظ مقاصدها في الخلق ومقاصدها هي: حفظ الدين والنفس والعقل والنسل والمال».. وجوهر الموضوع - كما قال «جمال البنا» - إن ثمة خمسة معايير لكي يكون الحكم إسلاميا يحقق هذه المقاصد وهي: «أن يكون الهدف إعمار الأرض وأن يكون المناخ هو الحرية وأن يكون المحور هو العدل وأن تكون وسيلة اتخاذ القرار هي الشوري وأن يكون الحكم وسيلة». 2- قول الله تعالي عن رسوله الكريم: «وما ينطق عن الهوي إن هو إلا وحي يوحي» يقصد بها «القرآن الكريم».. ويقول «د. عبدالمنعم النمر» «في كتاب الاجتهاد»: «إن هذه الآية مسوقة للرد علي المشركين الذين ادّعو أن "محمد" يكذب ويفتري ويقول قولا يدّعي أنه من عند الله وأنه «القرآن»، فهذه الآية وما قبلها وما بعدها واردة في شأن نطقه بالقرآن خاصة لا بكل ما ينطق به، والقائلون بجعل المراد بالنطق: النطق العام، يهملون السياق الذي يحدد المعني المراد، ويحملون الآية ما لا تحتمل». 3- الأحاديث المنسوب قولها لرسول الله - عليه السلام- والمدونة في الكتب المساة بالصحاح، أجمع العلماء علي أنها غير «متواترة» ومعني ذلك أنه ليس مقطوعا بصدورها عن الرسول، أي أنها ظنية الثبوت» أو كما قال الشيخ «شلتوت»: «في اتصالها بالرسول شبهة فلا تفيد اليقين» (كتاب الإسلام عقيدة وشريعة).. وقد أوضح الشيخ «محمد عبده» أن «القرآن» هو وحده الدليل قطعي الثبوت، فقال: «القرآن هو الخارق للعادة، الذي تواتر خبره ولم ينقطع أثره وهو الدليل وحده وماعداه مما ورد في الأخبار «أي الأحاديث» سواء صحّ سنده أو اشتهر أو ضعف أو وهي فليس مما يوجب القطع عند المسلمين «الإسلام دين العلم والمدنية». 4- الرسول العظيم مبلغ لرسالة السماء «القرآن الكريم» قال تعالي عن لسان النبي: «إن أتبع إلا ما يوحي إلي» وفي آية أخري يقول: «وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به». والقرآن يؤكد علي دور الرسول في أكثر من آية: «ما علي الرسول إلا البلاغ»، «فإن أعرضوا فما أرسلناك عليهم حفيظا إن عليك إلا البلاغ».. ويخاطب الرسول بصيغة الحصر: «إن أنت إلا نذير».. أما قول الله تعالي: «من يطع الرسول فقد أطاع الله» فهذا بديهي لأن الرسول يبلغ رسالة الله ويتلوها علي الناس.. أما عن حديث «تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي كتاب الله وسنتي» فيقول الشيخ «شلتوت» إن المقصود بكلمة «سنتي» أنها «الصورة العملية» التي بها طبق النبي وأصحابه أوامر «القرآن» علي حسب ما تبين لهم من دلالة القرآن ومقاصده، أما إطلاق كلمة «السُنة» علي مجموعة الأقوال المروية عن الرسول فلم يكن إلا بعد المائة سنة الأولي من وفاة الرسول حيث قصدت الأحاديث والروايات بالجمع والتدوين» (كتاب الإسلام عقيدة وشريعة). 5- إذا وقع اختلاف بين خبر عن رسول الله وآية قرآنية ينحي الحديث ويؤخذ بالآية، فقد ذهب جمهور الفقهاء إلي أن الحديث لكي يتم العمل به يجب أن لا يعارض معناه ماهو أقوي منه والأقوي من الحديث هو القرآن، وقد قال الإمام «أبوحنيفة»: «كل ماخالف القرآن ليس عن رسول الله وإن جاءت به الرواية» "أحمد أمين، ضحي الإسلام". 6- ليس بالقرآن آيات ناسخة وآيات منسوخة، «والاستدلال علي وجود النسخ بقول الله تعالي: «ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها» هو استدلال خطأ، لأن لفظ «آية» هنا ورد بمعني «المعجزة» التي يؤيد الله بها الأنبياء دليلا علي نبوتهم وهو المعني الصحيح الذي يلتئم مع السياق» "محمد عبده، تفسير المنار". 7- ما صدر عن الصحابة عن رأي واجتهاد ليس حُجة مُلزمة، ويري الإمام «الشافعي»: «أنه يجوز مخالفة آرائهم جميعا والاجتهاد في استنباط رأي آخر، لأن آراءهم اجتهادات فردية لغير معصومين».. وينطبق هذا من باب أولي علي آراء فقهاء السلف وهم أنفسهم لم يلزمونا بها، بل قال قائلهم: «رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب». 8- الاجتهاد في الدين لم تغلق أبوابه، ولا ينبغي لها، والذين رفعوا لافتة: «ما ترك الأوائل للأواخر شيئاً كانوا كما قال «د. عبدالمنعم النمر»: «مبهورين بما فعله الأوائل انبهارا جعلهم يغمطون قدرة العقل البشري ونمو هذه القدرة باستمرار وهذه اللافتة غير صالحة للاستعمال لأنها مناقضة لسنة التطور، ولا يرفعها إلا العاجزون، ولابد أن نجتهد ونبذل طاقتنا للوصول إلي الحكم الشرعي لما أمامنا من أحداث، والأصول التي اعتمد عليها السابقون لاتزال أمامنا وهي: «كتاب الله وسنة رسوله والقواعد الشرعية العامة» (كتاب الاجتهاد). أخيراً.. إلي القراء الكرام.. وأولهم المتحلقون حول «الدستور» يتنازعون في المادة الثانية: هذه حصيلة من قالوا: إنا وجدنا آباءنا علي أمة وإنا علي آثارهم مقتدون».. وحصيلة الفئة التي نفضت غبار التقليد وأزالت الحجب التي كانت تحول بينها وبين النظر في آيات القرآن ومتن الأحاديث لتفهم أحكام الله. اسمعوا لهؤلاء وهؤلاء.. وقفوا مفكرين متدبرين.. واعلموا أن الله محاسبكم علي نعمة السمع والعقل.. قال تعالي «وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ماكنا في أصحاب السعير».