حين سئل الناقد الكبير د. علي الراعي في البرنامج الاذاعي " زيارة لمكتبة فلان " ما الأدوات التي ينبغي أن يتحلي بها الناقد ؟ أجاب : الموسوعية ..أي أن يتحلي الناقد بالمعرفة الثرية في مختلف ميادين الثقافة والعلوم الانسانية. وتساءل المفكرون : هل انت ناقد ؟ وأجابوا ..اذاً فأنت مؤرخ .أي أن الناقد ينبغي أن يكون ملما بتاريخ الفن . والعكس ليس صحيحا . بمعني أن المؤرخ ليس ناقدا . ولكن ينبغي أن يكون الناقد ملما بتاريخ الفن فهذا جانب اساسي من ادواته النقدية واذا كان الوصول إلي تاريخ محدد لبدايات النقد السينمائي في مصر يبدوأمرا في غاية الصعوبة. لكن الكتابة الخبرية عن السينما بالتأكيد لاحقت العروض السينمائية الأولي في مصر . وقد لاحقت الصحافة ممثلة في" الأهرام "و"لاريفورم "في اعدادهما الصادرة في الرابع من نوفمبر أخبار العرض وسرعان ما توالت الأخبار والمتابعات الصحفيةلأخبار عروض السينما وافلامها وصناعها ونجومها .ومع تزايد الاهتمام بهذا الفن وتكاثر الجمهور وظهور فن السينما بدأت الكتابة عن السينما تاخذ طابعا أكثر جدية واصبحت الكتابة عنهاتناقش بعض القضايا المتعلقة بها. غوص في المحيط وفي كتابه "أسرار النقد السينمائي أصول وكواليس " يغوص بنا الناقد والكاتب السينمائي د. وليد سيف في خضم محيط النقد السينمائي بشقيه النظري والتطبيقي ليقدم مرجعا مهما للمكتبة السينمائية كانت في أمس الحاجة اليه. خاصة ان عدد المراجع والكتب النقدية في السينما المصرية بعد ما يربو علي 120 عاما منذ عرض اول فيلم سينمائي للأخوين لوميير في مقهي طوسون بالإسكندرية في5 نوفمبر 1896 لايتعدي أصابع اليدين تأليفا وترجمة. الكتاب في ثمانية فصول الأول مفهوم النقد السينمائي وفي الفصل الثاني ينتقل الكاتب بين مدارس النقد والفن بينما جاء الفصل الثالث مختصا بالنقد السينمائي ليعقبه الفصل الرابع الذي يناقش فيه المؤلف النقد والتحليل السينمائي وينقلنا الباحث في الفصل الخامس إلي عالم السينما وما بعد الحداثةويستعرض الكاتب في الفصل السادس النقد وفنون الدراما وفي الفصل السابع ينقلنا الكاتب إلي عالم ثقافة الفيلم الأجنبي ويختتم فصول الكتاب بالفصل الثامن بحثا عن نظرية جديدة في النقد متوجها نحو خطاب نقدي جديد ويختتم المؤلف كتابه بالتطبيق حيث يستعرض عددا من مقالاته النقدية مطبقا عليها نظرياته في النقد وهي المقالات التي قام بالاشارة اليها خلال فصول الكتاب لتضيف مزيدا من الايضاح لرؤيته وملاحظاته وافكاره عن الكتابة النقدية أملا أن تكون اشارته لها دافعا للقارئ للتعرف عليهاوان كان قد راعي أن تكون معظمها عن أشهر وأحدث الأفلام المصرية والأجنبية التي ربما يكون معظم القراء قد شاهدوها أو بامكانهم أن يشاهدوها بسهولة تصحيح الصورة في الكتاب يسعي د. وليد سيف إلي تصحيح صورة الناقد التي أساء لها وأفسدها وجوه يري انها قد سيطرت علي الساحة الاعلامية وظهرت في مئات البرامج تتحدث عن ذكريات فنية ثرثارة في كواليس الأعمال بلا دلالة أو قيمة أو هدف سوي التسلية وملء أوقات الفراغ وساعات الارسال ورسخت صورة خاطئة للناقد كدائرة معارف ناطقة بدون رؤية ناقدة أو قدرة علي الربط واصدار الاحكام يبدأ الكتاب بالتصدي لأمور نظرية تتعلق بتحديد مفهوم النقد الفني عموما والتعريف ببعض مدارسه مع الإشارة إلي الكثير من النماذج التطبيقية والخبرات الشخصية التي توضح ما يتضمنه من نظريات. ويري الكاتب انه وبصرف النظر عن فكرة الفنون التلقائية التي قد تصاحبها فكرة النقد التلقائي أن في الحقيقة هناك الكثير من أصحاب القدرات الفطرية الذين يتوصلون إلي جوهر الأشياء والأعمال والفنون دون أن يكونوا في حاجة إلي التعرف عليها نظريا باسلوب علمي منظم ويؤكد د. سيف أن اهم مايلفت النظر في مسألة مفهوم النقد هو ما يكتنفها من خلاف أو اختلاف وجهات النظر حولها مؤكدا أن المفاهيم والأراء تتعدد حول ايجاد تعريف محدد للنقد الفني كما اختلفت مناهجه وتنوعت اتجاهاته أصول واتجاهات ونعيش علي مدي صفحات الكتاب مع تجارب شخصية للمؤلف خلال رحلته مع النقد يقدمها كنماذج ليستفيد بها الناقد الشاب في رحلته مع النقد السينمائي من اجل امتلاك ناصية الكتابة النقدية . وبعد عرض أصول النقد يلقي د.وليد الضوء علي تجربة النقد السينمائي في مصر بوجه خاص . كما يحرص أيضا علي إلقاء الضوء علي فنون الدراما الأخري كالمسرح والإذاعة والتليفزيون والتي تتماس وتتلاقي مع فن السينما في نقاط عديدة. حيث يبدو من المهم التعرف علي خصائص كل وسيط تعبيري، مما يمنح الناقد فرصة أكبر لتحديد أدواته ومناهجه حيال المجال الذي يتخصص فيه. وهناك أيضا دراسة مكثفة حول علاقة فن السينما بفلسفة ما بعد الحداثة التي تعد السينما مجالا خصبا بل وملهما لها. ويناقش الكاتب مسألة توظيف هذه الإتجاهات في مجتمعات لم تمر بمراحل الحداثة التي مرت بها المجتمعات المتقدمة . ويري المؤلف انه بعيدا عن هذه التجارب الشخصية بل والممارسات النقدية المتخصصة عموما يمكننا أن نلاحظ أن النقد الفني للسينما والمسرح ودراما التليفزيون والاذاعة هو فعل تلقائي نمارسه جميعا بمعناه البسيط في محيط البيت والجيران والعمل وهو نشاط يمارسه الأطفال منذ بداية تفتح وعيهم علي الحياة ويري المؤلف أن اسلوب الممارسة النقديةالفردي يعبرعن الانتماء لمدارس ومناهج فنية ربما دون أن يعرف الشخص أو الناقد حقيقة انتمائه لها أو أن يكون حتي قد قرأ عنها . ولكنها أمور تنتج من اثر البيئة والتربية والواقع المحيط بل والعوامل الوراثية أيضا ويؤكد د. سيف أن راي المشاهد - مع كل الاحترام لأهميته لايغني علي الاطلاق عن رأي الناقد المتخصص ولا يلغي دوره ولا أهمية وجوده حتي ان كان بإمكان المشاهد العادي أن يتوصل إلي آراء جيدة واحكام سليمة بحكم خبرته في المشاهدة وفطرته السليمة مؤكدا أن هذا لايعني بالضرورة انه انتقل من مقاعد المشاهدين إلي مقاعد النقاد مع العلم بأنها ليست مريحة كما يري د. وليد سيف و يري ايضا أن الناقد يلزمه أن يمتلك قدرات واستعداد من نوع خاص . وربما تكشف هذه الامكانات عن نفسها بشكل واضح بداية من قدرته الفطرية علي التذوق وان كانت عملية التذوق نفسها تخضع لعناصر اجتماعية وبيئية وتربوية بل وتثقيفية متخصصة فإنها ايضا وبلاشك تعبر عن الشخصية واستعدادها من مراحل مبكرة جدا ولا يفوت سيف أن يطرح رؤيته حول ثقافة الفيلم الأجنبي في مصر التي مرت بسنوات من الإزدهار وأخري من التدهور. وحيث تتشكل ثقافة الناقد السينمائي من مشاهداته الواسعه للأفلام وإطلاعه علي مختلف أنواعها. وهو يخلص إلي أن مناخ الثقافة السينمائية السليم هو السبيل الأساسي للإرتقاء بمستوي النقد. تكمن قيمة الكتاب في أن صدوره يتوازي مع مرحلة فارقة في تاريخ الأمة، تسعي فيها بشكل حثيث نحو إنتهاج الديمقراطية بمعناها الحقيقي. وهو ما بإمكانه أن يتيح للناقد مجالا أوسع ويلقي علي عاتقه بمسئوليات أكبر. وفي ظل هذه الأجواء يضع الناقد والكاتب د. وليد سيف ورقته البحثية حول مستقبل النقد التي تتضمن كل ما يصبوا إليه من آمال في هذا الشأن. وهي بكل تأكيد اضافة حقيقية رائعة لمكتبة تبدوفقيرة من حيث العدد ولكنها بدون شك ثرية باسهامات د. وليدسيف وأقرانه من المبدعين